مدينة أمازيغية عاصمة الفضة في المغرب والأعرق في صناعتها
مجموعة حلي فضية معروضة بمهرجان تيميزار للفضة بمدينة تيزنيت جنوب المغرب (أرشيف AWP)
  • طنجة

  • الاثنين، ٥ أغسطس ٢٠٢٤ في ٨:٣٦ م
    آخر تحديث : الاثنين، ٥ أغسطس ٢٠٢٤ في ٨:٣٦ م

مدينة أمازيغية عاصمة الفضة في المغرب والأعرق في صناعتها

(وكالة أنباء العالم العربي) - تُعد مدينة تيزنيت الواقعة على بعد نحو 620 كيلومترا جنوب العاصمة المغربية الرباط من أعرق المدن في صناعة الفضة بالبلاد والعالم العربي، حتى أصبحت تلقب بـعاصمة الفضّة؛ ويُنظّم فيها مهرجان سنوي كبير للفضة يستقطب الزوار من داخل المغرب وخارجه.

وتتميز صناعة الفضة في تلك المدينة الأمازيغية باستخدام الأساليب التقليدية لإنتاج الحلي والأثاث المنزلي بتصاميم متنوعة؛ وتستهوي منتجاتها، التي تعبر عن تراث المنطقة وثقافتها، السكان المحليين والسياح على حد سواء.

ويقول عبد الحق الرخاوي، رئيس غرفة الصناعة التقليدية في جهة سوس ماسة جنوب المغرب، ومدير مهرجان تيميزار للفضة الذي استضافت تيزنيت دورته الحادية العاشرة في أغسطس آب الماضي، إن تاريخ الفضة بدأ مع اليهود المغاربة الذين عاشوا في منطقة إداوسملال.

وقال الرخاوي في حوار مع وكالة أنباء العلم العربي (AWP) إن اليهود المغاربة كانوا يمارسون مهنة صناعة الفضة بجميع أساليبها نظرا لوجود منجم للفضة في قرية أنزي الواقعة على بعد 40 كيلومترا جنوب تيزنيت، حيث يتم تصفية التربة بطرق تقليدية لاستخراج الفضة.

وكان منجم الفضة قد اكتُشف في خمسينيات القرن الماضي، وطُوّر لاحقا وزُوّد بالتجهيزات اللازمة لاستخراج الفضة. ويحتوي المنجم على كميات كبيرة من خام الفضة، مما يجعله مصدرا مهما لصناعة الفضة في المغرب.

57510b51-2c9a-49f6-82c1-ebab2d527a07.jpg

تاج أمازيغي فضي يثبت على الجبين ويسمى بالأمازيغية "تاسرسيت" معروض في مهرجان تيميزار للفضة

إكسسوارات فضية متنوعة

وذكر الرخاوي أن الصائغين في تيزنيت يعملون في صياغة الحلي بأشكال متعددة، من ضمنها (تازرزيت) وهي إكسسوارات فضية تستخدم لتثبيت اللباس التقليدي الأمازيغي والتاج وتسمى في المنطقة (تاسرسيت)، و (أحلاّب) وهي القلادة، والدُّبلج و(الخراص)، وهي الأقراط.

تتسم أشكال الحلي الفضية في تيزنيت وتصاميمها بالبساطة والأناقة؛ وتعكس نمط حياة السكان المحليين وطابع المنطقة المحيطة بها. وقد تحتوي هذه الحلي على نقوش هندسية منحوتة بدقة أو رموز وزخارف مستوحاة من الفن التقليدي المغربي، مثل النقوش الأمازيغية أو الزهور المورسكية المنقوشة.

وفي هذا الصدد، أوضح الرخاوي أن نقوش الحلي الفضية تختلف من منطقة إلى أخرى حسب جغرافية المنطقة، مشيرا إلى أن هذه الحلي تستهوي السيّاح والزوّار الذين يتوجهون إلى تيزنيت لمشاهدة مجموعة واسعة من التصاميم الأصلية والفريدة وشراء ما يروق لهم منها، حيث تُشكّل تجارة الحلي جزءا من تجربة السياحة الشاملة في المدينة.

وأضاف أن الفضة تُساهم في اقتصاد جهة سوس ككل وليس مدينة تيزنيت وحدها، نظرا للعدد الكبير من الصائغين في المنطقة، حتى أصبحت المدينة قبلة لعشاق الحلي الفضية من كل أنحاء المغرب، مما يُعزز الإقبال على المنطقة ويساهم في تنمية قطاع السياحة بها.

ويتوافد على مدينة تيزنيت العديد من الزوار والسياح من مختلف المدن المغربية، بالإضافة إلى السياح الأجانب، لاقتناء الحلي الفضية نظرا لتوفرها بكثرة وتميز المدينة بصناعتها.

وعبر الأساليب الفنية المعقدة والتفاصيل الدقيقة، يصمم الصاغة في تيزنيت العديد من الأشكال والزخارف من قبيل الورود والأشكال الهندسية، لصناعة الحلي والديكورات المنزلية.

الفضّة لجلب الحظ

وأشار الرخاوي إلى أن الحلي الفضية في تيزنيت تتميز بنقوشها ذات الدلالات الثقافية والرمزية الكبيرة، مضيفا أن "الخميسة الفضية عبارة عن يد مفتوحة عبارة عن حلي ولكن لها رمزية ومعان في المتخيل الشعبي المغربي كونها تدرأ العين الشريرة، فضلا عن أن الفضة لها خصوصية بالمغرب، إذ يعتبرها المغاربة معدنا يجلب الحظ".

وتُستخدم مجموعة متنوعة من المواد في صُنع الحلي الفضية في تيزنيت، بما في ذلك الفضة النقية والخرز الملون وأحجار الكريستال. ويضفي لون الفضة الطبيعي المصقول أو المطلي بالذهب لمسة جمالية على القطعة.

وما يميز الحلي الفضية في تيزنيت، في رأي رئيس غرفة الصناعة التقليدية بجهة سوس، أن لها تجليات وخصوصيات رمزية وهوية تميزها عن فضة باقي المدن المغربية، مضيفا أن صائغي الفضة في المدينة الأمازيغية "يستعملون جميع التقنيات المستخدمة في صياغة الفضة عالميا، من قبيل الطلاء الزجاجي والسلك الفضي والتَّخْرام والنِّيال الأسود والنقش التقليدي".

وعلاوة على ذلك، تُزيّن الحلي الفضية في تيزنيت بعناية بأحجار كريمة مثل العقيق والياقوت لإضفاء لمسة من الفخامة عليها وتعبيرا عن الثقافة والتراث المحليين. وقد تحمل الحلي الفضية في المنطقة رموزا ورسومات تعبر عن الحياة الأمازيغية التقليدية أو الطبيعة الجغرافية الساحرة.

وتُشكّل صناعة الفضة في تيزنيت قطاعا اقتصاديا مهما في المدينة، حيث يعمل العديد من السكان في هذه الصناعة وتُعتبر مصدر رزق لهم، فضلا عن أنها تعد جزءا من التراث الثقافي والفني لتيزنيت. كما تُعتبر سوق الفضة في المدينة أحد أكثر الأماكن جذبا للزوار الراغبين في شراء المجوهرات الفضية.

ee61aa94-6681-4dd3-81d8-e95487fc74d7.jpg

مجموعة من الحلي الفضية معروضة بمهرجان تيميزار للفضة بمدينة تيزنيت

إنعاش السياحة

ويشير الرخاوي إلى أن مهرجان (تيميزار) السنوي للفضة الذي تستضيفه تيزنيت يمثل تظاهرة ثقافية مهمة في المنطقة، حيث لقي المهرجان الذي حمل شعار (الصياغة الفضية هوية، إبداع وتنمية) في دورته لهذا العام تجاوبا كبيرا من قبل السكان المحليين والزوار الأجانب.

وقال إن المهرجان الذي استمرت دورته لهذا العام أربعة أيام يهدف إلى التسويق للفضة في منطقة تيزنيت وتعزيز هذه الحرفة التقليدية والترويج للمدينة كمقصد سياحي.

وتضمنت فعاليات المهرجان معرضا للحلي الفضية وحرف يدوية أخرى وورش عمل لتعريف الزوار بتقنيات صياغة الفضة، بالإضافة إلى معرض موازٍ للمنتجات المحلية والصناعة التقليدية وعروض فنية بمشاركة فنانين مغاربة. كما نُظمت فعاليات تراثية كعروض الفروسية وعرض للأزياء المحلية، إلى جانب ندوات حول موروث صناعة الفضة في تيزنيت.

وقال رئيس غرفة الصناعة التقليدية "هذا الإبداع يُفسح المجال للصنّاع والصائغين لتقديم منتجاتهم من صناعة الفضة دون إغفال الوقع الاقتصادي لهذه الصناعة على المنطقة، من حيث إنعاش السياحة الداخلية وتنشيط حركة الفنادق وإنعاش التجارة المحلية".

وشهد حفل افتتاح المهرجان الكشف عن أكبر باب مرصع بالفضة في العالم وطوله متران وعرضه متر واحد ويحوي أكثر من خمسة كيلوجرامات من الفضة. واستغرقت صناعة هذه التحفة الفنية، من التخطيط والتصميم إلى التطبيق، نحو ستة أشهر بمشاركة حرفيين محليين في صناعة الخشب وصياغة الفضة.

كنوز بشرية

وأكد الرخاوي أن "صياغة الفضة بتيزنيت عرفت تطورا ملحوظا من خلال النقوشات والتصاميم التي يتم مشاركتها مع وزارة الصناعة التقليدية وجميع المؤسسات المعنية من خلال تصاميم تتماشى مع ما هو قديم في الحلي الفضية".

وتحدث عن وجود عمل مشترك مع منظمة اليونسكو لتسجيل بعض التقنيات المستعملة، ومن بينها تقنية الطلاء الزجاجي التي سُجلت باسم مدينة تيزنيت كتقنية مستعملة في صياغة الفضة، وهو ما اعتبره "مكسبا كبيرا".

وأشار الرخاوي إلى أن هذه الصناعة توفر فرصا لتنمية المهارات والخبرات في صناعة الحرف اليدوية، حيث يتم تدريب الصناع على تقنيات التصنيع التقليدية والحديثة للمساهمة في تطوير القدرات الفنية والحرفية للصناع والحفاظ على التراث الثقافي والحرفي بالمنطقة.

وأضاف أن غرفة الصناعة التقليدية في منطقة سوس تتعاون كذلك مع منظمة اليونسكو في إطار مشروع (كنوز بشرية) الذي يعنى بالصائغين من أجل الحفاظ على تقنيات صياغة الحلي الفضية بالطريقة التقليدية التي كان يستخدمها الصناع قديما.

من جانبها، تقول الصائغة التقليدية مينة خربوش إن الصناع التقليديين في تيزنيت يقومون بتصميم وتصنيع مجموعة متنوعة من الحلي الفضية التقليدية والعصرية للنساء والرجال؛ وتشمل هذه الحلي الأساور والخواتم والقلادات وغيرها من القطع.

وقالت إن الحلي الفضية تعتبر من أساسيات تزيين العروس الأمازيغية، مؤكدة أن التزيين بالحلي الفضية، خاصة بتاج الرأس وإكسسوارات أخرى توضع على الجبين والأقراط والأساور والخواتم، تُعتبر ثقافة امازيغية، حتى إن العروس الأمازيغية تتزين بحلي الفضة فقط ولا تلبس الذهب إطلاقا ليلة الزفاف.

وأشارت الصائغة التقليدية، وهي أول امرأة تقتحم هذا المجال في تيزنيت، إلى أن هناك إكسسوارات وحلي فضية رجالية أيضا من قبيل الخواتم والأساور والخنجر الذي يتزين به العريس ليلة الزفاف، ويكون خنجرا فضيا صغيرا يُثبّت على الكتف بحبل متين.

وأضافت خربوش أن الفضة تُستخدم أيضا في صناعة بعض الأدوات من الديكور والأثاث المنزلي، مثل المرايا والإطارات وصناديق المجوهرات وغيرها من المصنوعات الفضية، موضحة أنها أحيانا كثيرة تُصمّم وتُصنّع إكسسوارات منزلية وفقا لطلب الزبائن.