كتاب جديد يقدم نظرية لفهم التجربة العمرانية للمدن من خلال الأفلام السينمائية
(وكالة أنباء العالم العربي) - يدرس أستاذ في التخطيط العمراني الأفلام السينمائية بوصفها أداة لدراسة أشكال التفاعلات بين سكان المدن بطريقة توثيقية، كما يطرح نظرية جديدة لفهم وتحليل التجربة العمرانية للمدن من خلال الأفلام.
وفي كتابه الجديد (مدن سينمائية: تاريخ للحداثة الغربية من الشاشة إلى الواقع)، يعالج نزار الصياد قضية التخطيط العمراني للمدن انطلاقا من الأرشيف السينمائي، راصدا مظاهر الحداثة وتطورها في الثقافة الغربية، وفي الوقت نفسه لا يغفل عن إجراء المقارنات بين الحالة العربية والغربية.
كما يستخدم الصياد، أستاذ العمارة والتخطيط وتاريخ العمران في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة، الأرشيف السينمائي كوسيط تعليمي بين طلابه، إذ ابتكر مادة جديدة بعنوان (تاريخ المدن السينمائية) تتناول علاقة المدينة بالحداثة استنادا على أفكار منظرين وفلاسفة كبار من أمثال الألماني فالتر بنيامين والفرنسي جان بودريار.
ويشير الكتاب، الذي صدر الكتاب في 394 صفحة عن دار العين للنشر والتوزيع في القاهرة، إلى رسوخ العلاقة بين المدينة والسينما، كاشفا عن قوة تأثير الأفلام على الطريقة التي نصنع بها تصوراتنا عن مختلف أنماط الحياة.
كما يوضح الكتاب الأثر الذي تركته الأفلام التي جرى تصويرها في مدن كبرى مثل نيويورك وباريس وبرلين وروما في تأطير صورة تلك المدن في الذاكرة العمومية لملايين البشر في العالم.
يستخدم الكتاب الأفلام كوسيلة لتخيل تاريخ عمراني بديل، مما يجعله كتابا عن الفضاء البيني الواقع بين عمران المدينة الحقيقي والفضاء المتخيل عنها في الأشرطة السينمائية. ويتضمن الكتاب أرشيفا مصورا لبعض اللقطات التي يحللها الصياد.
يسرد الكتاب بشكل تاريخي تطورات المدن وتطور أوضاعها من الحداثة وصولا لما بعد الحداثة، ويطرح تساؤلات بشأن التحديات التي تواجه المدن وصور الاستجابة لتفاعلات الأنظمة السياسية والأيديولوجية التي انعكست في صور التصميم والتخطيط العمراني.
ويرى الصياد أن السينما لم تعد تمثل واقعا محددا، بل تحولت في واقع الأمر إلى أداة منتجة لفضاءات حقيقية، مما يجعل علاقة الواقع بالمتخيل في السينما تبادلية.
الحياة العصرية
يبدأ الكتاب بفحص وتحليل مجموعة من الأفلام الأوروبية والأميركية لتحديد ملامح المدن كما صورتها السينما، وبالتالي يمكن رؤية المدينة من خلال منظور النمو العمراني أو المجازات التي تطرحها السينما للتعبير عن تصاعد وتيرة الحياة العصرية.
يستخدم الكتاب مجموعة من الدراسات البينية التي تجمع بين الاقتصاد والاجتماع والتاريخ والنقد الثقافي لدراسة واقع الحياة اليومية ومدى استجابته للصور التي تطرحها الأفلام عن المدن، ويركز على ما أسماه "المدن المتخيلة" والتي تستجيب لتخيل مبدعيها أكثر من تعبيرها عن الواقع ذاته.
ويعود المؤلف للأفكار التي طرحها الشاعر الفرنسي شارل بودلير، الذي يعد من رواد الحداثة الشعرية في العالم بعدما كان من أوائل من اعتنوا بتأمل صورة باريس في طور النمو الحداثي وتعامل معها كمدينة للتسكع والمبادلات التجارية التي أعطت ظهرها لصيغ مبادلات العصور الوسطى.
ويبرز الكتاب الظواهر المعمارية المتعلقة بالمدينة السينمائية.
ويوضح خلفيات ظهور سينما ما بعد الحداثة مع نهاية القرن العشرين ورهانها على زعزعة المعتقدات الراسخة واستغلال صور الفراغ الأيديولوجي، كما يرصد أفلام الخيال العلمي التي سعت نحو تجسيد واقع المدينة الفاسدة في مواجهة المدينة الفاضلة التي بشر بها الفلاسفة في الماضي.
ويرسم الصياد صورة لمدن المستقبل كما يجسدها فيلمي (برازيل) و(متروبوليس)، موضحا كيف خاطب الفيلم الثاني المشاكل المتعلقة بالفقر والاضطرابات الاجتماعية الناتجة عنه، والشكوك القائمة حول قدرة الدين على ضمان خلاص البشر، أما الفيلم الأول فقد أظهر مظاهر الانقسام الطبقي ومخاطره.
ويفحص الجزء الأخير من الكتاب حداثة الطبقات الاجتماعية العرقية المختلفة وكيف يتم التعبير عنها فيما يسمى "سينما الضواحي" التي تناقشها أفلام المخرجين وودي آلن ومارتن سكورسيزي، التي تصور المدينة حيزا للاستهلاك وتبرز صور الانهيار المجتمعي وتفشي أزمات صراع الهويات، مؤكدا أن حداثة المدينة الأميركية تستحضر هويتها عبر تقسيم المدينة إلى أحياء عرقية.