خبراء: الحسابات لدى إسرائيل وحزب الله لا تزال تمنع الانزلاق نحو "المواجهة الشاملة"
(وكالة أنباء العالم العربي) - يعيش اللبنانيون حالة ترقب وقلق بعد إعلان إسرائيل أنها سترد على هجوم اتهمت جماعة حزب الله بالوقوف وراءه في بلدة مجدل شمس في هضبة الجولان المحتلة، حيث يرى خبراء أن إسرائيل تحاول استغلال الحادث لأهداف سياسية وعسكرية، غير أنهم يقولون إن الحسابات لدى كل الأطراف لا تزال تمنع الانزلاق نحو "المواجهة الشاملة"، ويرجحون ضربة إسرائيلية "محدودة".
يأتي ذلك وسط اتصالات دبلوماسية مكثفة تحذر من اتساع نطاق الحرب وتسعى لاحتواء أي عمل عسكري محتمل.
وقُتل 12 شخصا وأصيب آخرون يوم السبت إثر سقوط صاروخ على مجدل شمس، قالت إسرائيل إنه أطلق من لبنان واتهمت جماعة حزب الله بالمسؤولية عنه، وهو ما نفته الجماعة.
وقرر مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر أمس الأحد تفويض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في تحديد طريقة وتوقيت الرد على الهجوم الصاروخي.
وقال موقع رئاسة مجلس الوزراء اللبناني على منصة إكس، إن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أجرى سلسلة اتصالات دبلوماسية وسياسية، في إطار متابعة الأوضاع الطارئة المستجدة والتهديدات الإسرائيلية المتكررة ضد لبنان.
وشدد رئيس الحكومة خلال الاتصالات على أن الحل يبقى في التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار والتطبيق الكامل للقرار الدولي رقم 1701، والذي أنهى الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، للتخلص من دورة العنف وعدم الانجرار إلى التصعيد الذي يزيد الأوضاع تعقيدا.
كما أشار ميقاتي إلى أن وقف إطلاق النار بشكل مستدام على كل الجبهات هو الحل الوحيد الممكن لمنع حدوث مزيد من الخسائر البشرية، ولتجنب المزيد من تفاقم الأوضاع ميدانيا.
وتصاعدت مؤخرا حدة القصف اليومي المتبادل عبر الحدود بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، والذي تفجر عقب بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي.
استبعاد المواجهة الشاملة
واستبعد راجي حداد، الخبير المختص في الشأن الإسرائيلي، أن تخوض إسرائيل حربا مفتوحة مع حزب الله في لبنان لاعتبارات عديدة.
وقال حداد لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "حزب الله أبلغ الوسطاء الدوليين عبر قنوات الاتصال، وتحديدا المبعوث الأميركي آموس هوكستين وقوات اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان)، بأنه غير مسؤول عما حصل في مجدل شمس. وبحال أقدم الإسرائيلي على ضربات واسعة من خارج قواعد الاشتباك، حينها تعتبر المقاومة أن هذا الأمر يأتي من خارج قواعد الاشتباك الذي بدأ منذ أكتوبر الماضي".
وأضاف "نتيجة تصاعد الضربات العسكرية منذ أكتوبر الماضي، فُتحت كل الاحتمالات على اشتعال الجبهة بشكل أوسع، لكن الحسابات لدى كل الأطراف لا تزال حتى الآن تمنع من التدحرج نحو المواجهة الشاملة".
ويرى حداد أن إسرائيل تدرك أن المواجهة العسكرية مع حزب الله ستكون أثمانها "مرتفعة بطريقة مختلفة عن الحرب مع حركة حماس في غزة"، مضيفا أن حزب الله وجه رسائل عبر تصوير المنشآت العسكرية الإسرائيلية مفادها أنه "يملك بنك الأهداف ولديه القدرة على استهدافها".
وتابع قائلا "لدى حزب الله حساباته الداخلية في لبنان، لمنع الإسرائيلي من قصف البنيّة التحتيّة مما سينعكس سلبا عليه على المستوى الشعبي والسياسي، إضافة إلى الضغوط الأميركية التي لم تعطِ الضوء الأخضر حتى اليوم للإسرائيلي بتنفيذ هجوم واسع".
وأشار حداد أيضا إلى ما وصفه بتراجع في التصريحات الإسرائيلية، موضحا "في الساعات الأولى كان الحديث عن الرد الفوري والواسع والمطالبة بحرق بيروت، لكن بدأت تتأجل الاجتماعات حتى وصول نتنياهو من أميركا، والدخول في اجتماعات أمنية متعددة، مما فتح الوقت أمام الاتصالات الدبلوماسية".
وأضاف "لا يحتمل الإسرائيلي أن يكون الرد على المنشآت التابعة للدولة اللبنانية، لأنه سيعطي الذريعة لحزب الله لضرب المنشآت الإسرائيلية، حينها لن يكون هناك ضبط لسقف الرد".
وقال "العدوان بحسب المعطيات المتوافرة والتي بدأت تظهر من خلال الاعلام الإسرائيلي ورسائل الوسطاء إلى الحكومة اللبنانية بأنه سيكون محدودا ولا يجر المنطقة إلى حرب شاملة، لكن من يملك ضمانات لهذا الأمر؟"
من جانبه، يقول العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني، مارون بطرس، إن "احتمالات الاعتداء الإسرائيلي قد تكون بتوسيع مدى الضربات بمناطق جديدة، أو باستهداف مستودعات أسلحة، أو باغتيالات نوعية وخاصة بعد ادعاء إسرائيل أنها تملك اسم الشخص المسؤول عن إطلاق صاروخ مجدل شمس".
ويضيف قائلا لوكالة أنباء العالم العربي "رغم الحديث عن محدودية الضربة، وأنها ستكون خارج بيروت وضاحيتها الجنوبية، يبقى الحذر واجبا فقد يقدم نتنياهو على افتعال حرب مع لبنان، قد تنقل المنطقة إلى مواجهة شاملة".
واعتبر أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في حالة حذر وتردد "خوفا من فتح الجبهة بصواريخ تستهدف قواعد للجيش الإسرائيلي مثل صفد وطبريا، والمعادلة الدائمة، إن قُصفت بيروت ستُقصف تل أبيب".
استغلال إسرائيلي
ويرى حداد، الخبير المختص في الشأن الإسرائيلي، أن هناك محاولة إسرائيلية لاستغلال حادثة مجدل شمس لأهداف أكثر من عسكرية، مضيفا "شهدنا مقتل جنود إسرائيلين ومستوطنين في الجليل الأعلى، ولم نشهد رد فعل إسرائيلي واسعا تجاه لبنان، فكيف بضحايا هم سوريون ولا يحملون الجنسية الإسرائيلية" في إشارة إلى القتلى الذين سقطوا في مجدل شمس.
وقال إن إسرائيل تستهدف القيام بضربة عسكرية على حزب الله تكون مختلفة عن كل الضربات التي شهدها جنوب لبنان خلال الأشهر السابقة "بهدف محاولة استعادة صورة الردع لديها".
واعتبر حداد أن الهدف الأساسي لإسرائيل هو "إثارة الفتنة بتقليب الطائفة الدرزية في لبنان وسوريا وفلسطين ضد المقاومة، وتحديدا محاولة تحريك الشارع اللبناني، بإثارة الفتنة الشيعية-الدرزية".
وأشار إلى موقف الزعيم الدرزي اللبناني، النائب السابق وليد جنبلاط "الذي استطاع نزع الفتيل بأسرع وقت، بتصريحات متتالية أراد منها تأكيد أن الذي قتل الدروز السوريين في مجدل شمس ليس حزب الله، ودعا إلى منع إثارة الانقسام والطائفية".
ويقول بطرس العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني إن إسرائيل تحاول استغلال حادثة مجدل شمس لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية.
وأوضح قائلا "إسرائيل لديها كل الذرائع لشن حرب على لبنان، فالمقاومة تجاوزت بعدد ضرباتها أكثر من ألفي عملية، وأدت لتدمير مواقع عسكرية ونزوح حوالي 100 ألف مستوطن".
وأضاف الخبير العسكري "مضت ساعات طويلة على التهديد الإسرائيلي وهو ما منح حزب الله فرصة الاستعداد في كل مراكزه لأي ضربة مقبلة، دون أن تتوقف العمليات العسكرية اليومية في الجنوب".
وأوضح قائلا "خلال الأسابيع الماضية كل المعطيات تشير إلى ارتفاع وتيرة التصعيد والجهوزية، من خلال رسائل التصوير لمواقع عسكرية وكلام المسؤولين في الحزب عن استعدادهم للرد دون ضوابط".
كانت وسائل إعلام لبنانية قد نقلت أمس عن وزير الخارجية عبد الله بو حبيب قوله إن لبنان تلقى تطمينات من الدول المعنية بأن الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي على مجدل شمس سيكون محدودا، وكذلك رد حزب الله.
ونقل تلفزيون الجديد عن بو حبيب قوله "نتمنى ألا يقود الرد الإسرائيلي ورد حزب الله عليه إلى حرب واسعة".