فنان الخط السوري منير الشعراني لـAWP: الدول العربية تفتقر إلى التنسيق اللازم لتطوير فن الخط العربي
أحد أعمال فنان الخط العربي السوري منير الشعراني
  • القاهرة

  • الجمعة، ١٢ يوليو ٢٠٢٤ في ٥:١٠ م
    آخر تحديث : الجمعة، ١٢ يوليو ٢٠٢٤ في ٥:١٠ م

فنان الخط السوري منير الشعراني لـAWP: الدول العربية تفتقر إلى التنسيق اللازم لتطوير فن الخط العربي

(وكالة أنباء العالم العربي) - يرى الخطاط السوري البارز منير الشعراني أن تسجيل فن الخط العربي في قائمة التراث العالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) خطوة مهمة، غير أن الدول العربية المعنية  تفتقر إلى التنسيق اللازم لتطوير هذا الفن.

ويشير الفنان السوري أيضا محاولات إحياء هذا الفن على نحو يخلط بين الجانب الحرفي والجوانب الفنية، ويقول "عمليات إحياء الخط القائمة حاليا لدى أغلب المؤسسات العربية تعمل على تعزيز الجانب الحرفي وتهمل الجوانب الفنية إلى حد كبير".

ويضيف في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي(AWP) جرت بمرسمه في القاهرة "إعداد فنان الخط العربي عملية شاقة تحتاج إلى استعداد فطري وقدرة على تحصيل المعارف النظرية، فلا فن دون معرفة فلسفية".

وأدرجت منظمة اليونسكو في الرابع عشر من ديسمبر كانون الأول عام 2021 الخط العربي في قوائمها للتراث الثقافي غير المادي باعتباره "رمزا ثقافيا أساسيا في العالمين العربي والإسلامي يمثّل قصة حضارة وإرث وثقافة نظرا لأهميته واتصاله الوثيق باللغة العربية وما يمتلكه من تاريخ وجماليات في هندسته وتفاصيله وأشكاله".

وسعت 16 دولة عربية وإسلامية  للنهوض بفن الخط العربي لمواجهة تراجع حضوره أمام التطور التكنولوجي، فضلا عن تناقص أعداد الخطاطين المحترفين مما يهدد بانقراضه.

ويدعو الشعراني إلى مراجعة تاريخ الفن لإنصاف الخط العربي، ويطالب بتحريره من دائرة الحصر في إطار الاستعمال الديني والعمل على حضوره في كل صور الحياة اليومية.

"التجمد"

منير الشعراني من مواليد عام 1952 وتعلم على يد أستاذ الخط السوري بدوي الديراني، وعمل خطاطا ومصمم كتب منذ 1968، وهو من أبرز الفنانين الذين قدموا إسهامات متميزة لتطوير العديد من الخطوط العربية.

مارس الشعراني مهنة الخط وعمل رسّاما للإعلانات، ودرس التصميم الغرافيكيّ في كليّة الفنون بجامعة دمشق، كما نشر العديد من الكتب والمقالات، وتم تكريمه في مناسبات متعددة منها بينالي القاهرة الدولي للخط العربي، وحصل على جائزة العصرنة في المنتدى الدولي الأول للخط العربي في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة.

عُرضت له أعمال متنوعة في أماكن متعددة منها متحف رايتبرغ بمدينة زوريخ السويسرية عام 1998، ومتحف الشارقة للفنون عام 2001، والمتحف البريطاني بلندن عام 2006، ومركز الجزيرة الفني بالقاهرة في نفس العام.

وقضى الشعراني غالبية سنوات عمره متنقلا بين بيروت وقبرص والقاهرة إلى أن عاد إلى دمشق واستقر فيها منذ ما يقرب من عقدين.

ويرى الخطاط  البارز أن فن الخط العربي عانى من التجمد لسنوات طويلة امتدت بطول فترة الحكم العثماني للعالم العربي، وذلك على الرغم من وجود واجهات براقة في عمارة هذا العصر.

ويشير إلى توقف عمليات التجديد الفني خلال تلك الفترة "بعد تعرض إبداعات كثيرة لمختلف أشكال المصادرة والحصار، فضلا عن تقنين استعمال بعض الخطوط وربطها استعمالها باستخدامات معينة".

ويقول إن خط النسخ  تحوَّل ومعه خط الثُلُث إلى "خطوط مقدسة" إذ كرّس العثمانيون خط الثلث للأمور الدينية الجليلة، مثل كتابة المصاحف والكتابات التجميلية في المساجد، وليس للمكاتبات الرسمية. واستُعمل الخط الفارسي في الجوانب التجميلية المتعلقة بكتابة القصائد، في حين اقتصر استعمال الخط الديواني على الدوائر الحكومية ولم يشهد أي محاولة تطوير.

أحد أعمال فنان الخط العربي السوري منير الشعراني

أحد أعمال فنان الخط العربي السوري منير الشعراني

"عودة الروح"

يلفت الشعراني إلى أن سقوط الخلافة العثمانية وظهور الدول القومية في القرن العشرين ساهم إلى حد كبير في إعادة الروح لفن الخط العربي، فقد اعتنت مصر والعراق بتأسيس مدرسة تحسين الخطوط  العربية وتكريم كبار فناني الخط في إطار الاهتمام بخطاب الهوية، وظهرت أسماء عديدة اهتمت بظهور ما يسمى "الخط المتحرك" الذي يقبل عمليات التشكيل والدمج في إطار جمالية متحررة قادت عمليات التجديد.

ويضيف أن سياسة تعريب الدواوين في العهد الأموي - إيمانا بأن اختلاف لغات الدواوين يكرّس اختلاف النظم المالية والإدارية ويعيق عملية تنظيم وتوحيد إدارة الدولة - ساهمت في تطوير الخطوط العربية وأدخلت عليها أشكالا جديدة.

لكنه يرى أن الازدهار الحقيقي لفن الخط حدث خلال العصر العباسي بسبب التنوع الثقافي وتنامي الرغبة في تحرير استعمالات الخط العربي من الجوانب الدينية التي ربطته بفنون زخرفة المصحف وعمارة المساجد.
 
يقول الشعراني "يمثل ظهور ابن مقلة الشيرازي (886 م - 939 م) طفرة كبيرة في تاريخ الخط نظرا لاهتمامه بالتنظير ووضع قواعد هذا الفن، فقد كان وزيرا وشاعرا وهو من أشهر خطاطي العصر العباسي، ويزعم البعض أنه من اخترع خط الثُلُث".

وابن مقلة الشيرازي خطاط وكاتب وشاعر ووزير عباسي، كان من أشهر خطاطي هذا العصر وأول من وضع أسس مكتوبة للخط العربي.

ويقول عنه الشعراني إنه "ساهم في إبراز وتطوير ما يسمى بالخطوط المرنة استنادا على قواعد ونظريات فلسفية لم تكن معروفة تقوم على علاقة النقطة مع الدائرة، وبالتالي فتح الباب لكافة النظريات التي جاءت بعده".

وفيما يتعلق بفن الخط في العصر العثماني قال الشعراني إن الأتراك سعوا "إلى استعمال خط الثلث في المكاتبات الرسمية وأهملوا في المقابل استعمال خطوط أخرى على رأسها الخط الكوفي، وذلك لأسباب سياسية تستهدف تأكيد هويتهم الدينية، ولم تعد الخطوط الأخرى حاضرة إلا بفضل وجودها في المساجد والمصاحف وأشكال العمارة".

ويدعو منير الشعراني إلى العودة لقراءة تاريخ الخط العربي دون التقيد برؤى المستشرقين التي أصرت، بحسب تعبيره، على ربط فن الخط بالوظائف الدينية المرتبطة بكتابة المصاحف وتزيين العمائر.

ويقول إن الخط العربي "فن للدين وللدنيا أيضا، لكن المركزية الأوروبية تصدر الاعتقاد بأنه من بين الفنون الدينية، كما تعمل على حصره فيما تسميه بالفن الإسلامي، وهي تسمية مضللة تعتمد التقسيم الجغرافي أو التاريخي مع الشعوب الأخرى، فتقول الفن الإغريقي أو الروماني بينما في حالتنا تربط الفن بالدين على الرغم من تنوع الديانات في مناطقنا الجغرافية".

وهو يرى أن الفرصة لا تزال قائمة لتطوير وإحياء استعمال الخطوط العربية وتأهيل أجيال جديدة، مؤكدا أن التطور التكنولوجي يمثل إضافة كبيرة لهذا الفن ولا يمكن النظر إليه كعائق أمام أي فن، "لكن العبرة دائما بطريقة الاستعمال".