دم الأخوين.. شجرة تذوي في جزيرة سقطرى اليمنية
(وكالة أنباء العالم العربي) - كان أحمد الرميلي يتخذ من إحدى أشجار (دم الأخوين) مكانا للاسترخاء بالقرب من منزله في جزيرة سقطرى اليمنية.. لكن الشجرة المعمرة النادرة سقطت.
وتشهد سقطرى، التي تقع في المحيط الهندي على بعد حوالي 400 كيلومتر من البر الرئيسي لليمن وشبه الجزيرة العربية، موجة تساقط لأشجار دم الأخوين، أو شجرة أعرهيب كما يطلق عليها سكان الجزيرة، دون وجود سبب محدد لسقوط الشجرة التي يمتد عمرها لمئات السنين.
يقول الرميلي، وهو أحد سكان الجزيرة ويعمل باحثا في الحياة الطبيعية لدى هيئة حماية البيئة في سقطرى، لوكالة أنباء العالم العربي "هناك أسباب كثيرة لتساقط شجرة دم الأخوين.. قد تكون شيخوخة الأشجار التي عمرت طويلا ووصل منها البعض لأكثر من 500 عام.
"كما أن الأعاصير التي شهدتها سقطرى... أثرت أيضا على الأشجار، حيث تدخل المياه إلى صلب الأشجار وتتعفن ثم تتساقط. شجرة دم الأخوين مجوفة من الداخل وليست صلبة وتعتمد في قوامها على اللحاء بفعل انعدام الصلب داخلها".
دم الأخوين واحدة من أندر الأشجار في العالم، ويرجع اسمها إلى السائل الأحمر الذي تفرزه عند خدش لحائها. ولهذا السائل، الذي يطلق عليه أيضا الصمغ الأحمر، العديد من الاستخدامات، من الأدوية إلى أحمر الشفاه.
وبحسب الرميلي، فإن الحصاد الجائر من قبل مواطني سقطرى وعدم تنظيم عملية استخراج محصول الشجرة النادرة من أسباب تساقط دم الأخوين.
وأشار الباحث إلى أن الكثير من سكان الجزيرة يعتمدون على حصاد وبيع محاصيل شجرة دم الأخوين داخل الجزيرة وخارجها، لما لها من فوائد واستخدامات متعددة، منها الطبي مثل تعقيم الجروح وعلاج التقرحات الجلدية والعمل على انقباض الأنسجة.
وقال إن من أسباب سقوط الشجرة النادرة أيضا تعرض جذوعها للضرب بقوة من أجل حصاد محصولها، بالإضافة إلى الكتابة على الجذوع، مما يؤدي إلى جرحها وسقوطها.
وأضاف "هي شجرة مجوفة من الداخل، وعند جرحها قد يخترق الجرح الجذع ويصل إلى الجوف، ومنه تدخل الحشرات القاتلة والآفات التي تؤدي إلى وفاتها".
لا يوجد إحصاء رسمي لعدد الأشجار المتساقطة، كما لا يوجد إحصاء لعدد أشجار دم الأخوين في سقطرى، إلا أن أعدادها تقل مع مرور الوقت بفعل الرعي الجائر الذي يفتك بشتلاتها الصغيرة، بحسب مكتب حماية البيئة في الأرخبيل المكون من أربع جزر.
* سقطرى
لسقطرى أهمية كبيرة للحفاظ على التنوع البيولوجي، وانضمت في 2008 إلى قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
ويقع الأرخبيل في شمال غرب المحيط الهندي، بالقرب من خليج عدن، ويمتد على مساحة 250 كيلومترا، ويضم أربع جزر وجزيرتين صخريتين صغيرتين ويبدو كأنه امتداد للقرن الأفريقي، بحسب اليونسكو.
وتقول اليونسكو في تعريفها بسقطرى إنها "موقع استثنائي من حيث التنوع الكبير في نباتاته ونسبة الأنواع المستوطنة.. 37 بالمئة من أنواع النباتات (من أصل 528 نوعا) و90 بالمئة من أنواع الزواحف و95 بالمئة من أنواع الحلزونيات البرية هناك غير موجودة في أي مناطق أخرى من العالم".
تنتشر شجرة دم الأخوين بكثافة في مرتفعات منطقة دكسم، التي أصبحت وجهة سياحية وقِبلة لزائري سقطرى، وتعتبر متنزها وطنيا لكونها المحمية الأكثر احتواء على دم الأخوين.
كما تتمتع دكسم بطقس معتدل على مدار العام، نظرا لارتفاع سلسلة جبالها عن سطح البحر، وهي موطن للعديد من النباتات والأشجار النادرة، وتوجد بها غابة من أشجار دم الأخوين الضخمة التي بدأت في الآونة الأخيرة في السقوط.
ورصدت جمعية سقطرى البيئية زيادة وتيرة سقوط شجرة دم الأخوين منذ عام 2015.
وقال مدير جمعية سقطرى البيئية ناصر عبد الرحمن لوكالة أنباء العالم العربي "تساقط شجرة دم الأخوين يعود بالجزيرة إلى الخلف ويهدد تصنيفها العالمي. إذا ما خلت سقطرى من شجرة دم الأخوين فستتراجع سمعتها العالمية".
وأضاف أن تساقط أشجار دم الأخوين "قد يفقد الجزيرة أحد أهم النباتات على الأرض وهذا يؤثر على التوازن البيئي في الأرخبيل".
وأشار عبد الرحمن إلى عدم نمو أي أشجار جديدة من هذا النوع النادر بسبب الرعي المفتوح في الجزيرة. وقال "الحيوانات تأكل أي شتلة تنمو تحت الأشجار المعمرة".
* زينة الأرض
من أجل تلافي خلو الجزيرة من الأشجار، لا بد من الالتزام بالتقاليد القديمة في عملية الحصاد لشجرة دم الأخوين، على حد قول عبد الرحمن.
وتابع "هي قوانين وضعت عن تجربة وثبت نجاحها في العصور القديمة"، كما أشار إلى أهمية التوعية بأهمية هذه الشجرة حتى تعرف الناس قدرها ولا تتعرض لها بأذى.
ويرى الباحث البيئي عبد القادر الخراز أن من أهم عوامل حماية الطبيعة في جزيرة سقطرى هو منع دخول أي نوع آخر من الأشجار إلى الجزيرة.
وقال لوكالة أنباء العالم العربي "هذا يهدد بدخول آفات جديدة تحملها تلك الأشجار مما يؤدي إلى تغير طبيعة الجزيرة بسبب الحشرات والفطريات الجديدة"، مضيفا أن تساقط دم الأخوين يعد مؤشرا خطيرا على بقاء الجزيرة في دائرة اهتمام العالم.
وناشد الجهات الرسمية العمل على الحفاظ على الطابع البيئي المميز للجزيرة قائلا "يجب أن تتحرك الجهات الرسمية في الهيئة العامة لحماية البيئة للعمل على بحث وتقصي الأسباب والعمل على معالجتها للحفاظ على أهم وجهة سياحية وأهم منطقة جغرافية للتنوع البيولوجي في العالم..
"ولكي تبقى سقطرى عروس البحار وزينة الأرض".