بعد ثلاث سنوات على انفجار مرفأ بيروت.. أهالي الضحايا في انتظار نتائج التحقيقات والحياة تعود للمنطقة
(وكالة أنباء العالم العربي) - بعد مرور ثلاث سنوات على انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 220 شخصا وأصاب الآلاف ودمر مساحات ضخمة من العاصمة اللبنانية، ما زال أهالي الضحايا ينتظرون الوصول إلى الحقيقة ومعاقبة المسؤولين، بينما يواصل سكان المنطقة ترميم منازلهم لإعادة الحياة لها مرة أخرى.
ففي الرابع من أغسطس آب 2020 وقع واحد من أكبر الانفجارات غير النووية على الإطلاق، عندما اندلع حريق في مستودع كان يحوي مئات الأطنان من نترات الأمونيوم مخزنة منذ 2013.
ماريانا فادوليان، رئيسة جمعية ضحايا انفجار مرفأ بيروت، فقدت شقيقتها غايا (29 عاما) في الانفجار، وتعتبر أن ما حدث "جريمة ضد الإنسانية، فهم اغتالوا الشعب في بيوته وأشغاله وعلى الطرقات".
ولم يصل التحقيق في أسباب الانفجار إلى شيء.
وقالت فادوليان لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) متحدثة عن مسار التحقيق خلال السنوات الثلاث الماضية "كل المدعى عليهم في التحقيق، سواء كان في مرحلة القاضي فادي صوان أو في المرحلة اللاحقة مع القاضي طارق البيطار، لم يخرج أحد ليقول إنه بريء، يرغبون في اعتبارها مجرد إهمال فقط، ولكنهم كانوا يعرفون بوجود المواد المتفجرة وماذا يمكن أن تفعل في بيروت إذا انفجرت".
وأضافت "خلال 45 دقيقة من الحريق الذي سبق الانفجار، لم يتحرك أحد من المسؤولين لإخلاء المنطقة، وهو يدل على أن ما حدث جريمة".
وتابعت "طيلة الفترة الماضية استعمل المسؤولون القانون بطريقة تعسفية للتهرب من المحاسبة، عبر طلبات مثل سحب الملف من قاضي التحقيق أو نقل الملف إلى قاض آخر، والتهديدات من جهات سياسية مثلما فعلت حركة أمل وحزب الله مع القاضي بيطار"، في إشارة إلى حملة شنها حزب الله ضد بيطار، الذي كان يسعى لاستجواب حلفاء له حول ضلوعهم في الانفجار، ونظم أنصار الحزب احتجاجات ضد القاضي في 2021 تحولت لأعمال عنف دامية.
ومضت قائلة "الجرم الاكبر أن المدعي العام غسان عويدات أطلق سراح الموقوفين... ولكننا ندرك أن القاضي عويدات كان يعرف بوجود المواد في المرفأ، ويرتبط بصلة قرابة مع الوزير السابق المدعى عليه غازي زعيتر".
ولم يتسن لوكالة أنباء العالم العربي الحصول على تعقيب من عويدات.
وتطالب فادوليان باستقلال القضاء اللبناني "لأن هناك قضاة يرضخون للسياسيين، فالمشكلة هي السلطة السياسية، لأنهم يعتبرون أنفسهم فوق القانون".
وقالت منظمة العفو الدولية في بيان اليوم الخميس "أتيحت للسلطات اللبنانية ثلاث سنوات للتحقيق في أسباب الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت وإخضاع المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية للمحاسبة. ومع ذلك، فإنه حتى اليوم لم يُحمل أحد المسؤولية".
وأضافت "تناشد أكثر من 300 من منظمات المجتمع المدني اللبنانية والدولية والأفراد والناجين وأسر الضحايا، مجلس حقوق الإنسان مجددا بالمبادرة لإنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق للتحقيق في أسباب انفجار مرفأ بيروت وتحديد هوية المسؤولين عن وقوع هذه الكارثة".
* تفجير مقصود
ترفض إنعام خالد، عضو جمعية تراث بيروت، وصف ما حدث بالانفجار، قائلة إنه تفجير مقصود بهدف تدمير حضارة وتاريخ بيروت.
وقالت لوكالة أنباء العالم العربي "المنطقة المباشرة التي وقع فيها الانفجار من الجميزة إلى مار ميخائيل وصولا إلى الأشرفية تضم العديد من المباني المدرجة على قائمة المباني التراثية، فهي منطقة تضم مبان من الحقبة العثمانية والفرنسية عمرها أكثر من 100 سنة ".
وأوضحت إنعام أن الجمعية تعمل على الحفاظ على ما تبقى من مباني تراثية في بيروت قبل الانفجار من فوضى العقارات ومحاولة السماسرة شراء المباني القديمة مستغلين حاجة الناس للمال.
وأضافت "صدر قرار من محافظ بيروت في سنة الانفجار يمنع بيع العقارات المصنفة على أنها تراثية لمدة سنتين، ولكن لا نعرف إن كان ساري المفعول إلى اليوم أو لا يطبق، وأستطيع القول إن هناك وعيا عند الأهالي، مع حملة لدعمهم في مواجهة اليأس حتى لا يبيعون بيوتهم".
وقالت عضو جمعية تراث بيروت إن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان انعكست على قدرة الناس على ترميم منازلهم، مضيفة أن البعض لا يملك المال الكافي لأنه فقد مدخراته في المصارف.
ومضت قائلة "التمويل جاء... من السفارات والمنظمات الدولية، فاستطاعت ترميم بعض المباني ولكن هناك نسبة تصل في حدود 20 بالمئة ما زالت بحاجة لإعادة ترميمها بشكل مناسب".
وقدر البنك الدولي الخسائر التي سببها انفجار مرفأ بيروت بين ستة وثمانية مليارات دولار.
وقالت منظمة العمل الدولية في 2021 إن ما يصل إلى 14 بالمئة من المؤسسات التي كانت تعمل في قطاعي الضيافة والسياحة تضررت بشدة من الانفجار والأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان وجائحة فيروس كورونا.
* صوامع القمح
في شارع الجميزة المواجه لمرفأ بيروت، تظهر صوامع القمح من خلف مبنى مؤسسة كهرباء لبنان الذي دمرت مكاتبها بالكامل في الانفجار.
ويشير طوني رافي (35 عاما) إلى أن هذه الصوامع "هي الشاهد على ما حدث في مدينتنا".
ويستعيد رافي ذكرى يوم الانفجار وقسوة لحظاته الأولى عندما خرج من بيت صديق له في المنطقة ليجد الناس يحملون المصابين أو الضحايا مسرعين بهم إلى المستشفيات.
وقال لوكالة أنباء العالم العربي "خلال سبعة أشهر خضعت لجلسات مع طبيب نفسي، لم استطع النوم لليالي عديدة، وابتعدت لفترة عن زيارة المنطقة".
ويصف رافي قدرة المتاجر وسكان المنطقة على إعادة الحياة لها بأنه "معجزة" في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وأضاف "في المساء تمتلئ المطاعم والمقاهي بالشبان والشابات من لبنان ودول أخرى، بعضهم كان موجودا يوم الانفجار ومنهم من جاء إلى بيروت بعدها. مجرد قدرتهم على الجلوس والحديث في مكان كان شهد قبل سنوات أقسى التفجيرات على مستوى العالم معجزة".