أوت بيتزا.. مطعم إيطالي جميع العاملين فيه من مرضى التوحد
(وكالة أنباء العالم العربي) - لا تشتهر إيطاليا بكثرة آثارها فحسب؛ لكنها تُعرف أيضا بكثرة مطاعمها وتنوع أكلاتها التي تعد من أشهى الأطعمة في العالم.
ومن بين كافة المطاعم الإيطالية، يتيح تناول الطعام في مطعم (أوت بيتزا) تجربة فريدة تماما لزبائنه، لأنهم يتعاملون مع فريق كامل من المصابين بمرض التوحد، يُمثلون طاقم العمل داخل المطعم.
تتصدر واجهة فرع المطعم في مدينة المعارض في ريميني (340 كيلومترا تقريبا شمالي العاصمة روما) بعض الصور لمشاهير العالم وهم يتناولون الطعام داخله؛ لكن تبقى صور الرئيس الإيطالي والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان هي الأكثر نجاحا في جذب الناس.
بعد سنوات من العمل الشاق، يشعر مؤسس المطعم وصاحبه بيكو كامبرا بكثير من الفخر لنجاح تجربته التي عدّها البعض عند بدايتها "دربا من المعجزات".
وقال الرجل في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "بدأت القصة من البيت، عندما اكتشفت إصابة ابني بمرض التوحد، حيث مررت بالكثير من الظروف المعيشية الصعبة؛ مثل كل الآباء، كنت أشعر بالألم لأني لا أستطيع مساعدة ابني على الشفاء والعيش والعمل بصورة طبيعية".
في مساء أحد الأيام من عام 2018، استيقظ بيكو من نومه يراوده حلم تأسيس مطعم يعمل فيه المصابون بالتوحد بعد أن آمن تماما بحق المتوحدين في العمل؛ لكنه ظل يدرس مشروعات العمل الملائمة إلى أن قرر أخيرا تأسيس مطعم للبيتزا الإيطالية، على أن يكون كل فريق العمل من مرضى التوحد.
يقول بيكو "عندما شرعت في تنفيذ المشروع، كان كل من حولي يسخرون مني قائلين.. يا كامبرا أنت معوق أكثر من هؤلاء المرضى".
* لا تراجع ولا استسلام
لم يحقق بيكو الأرباح المتوقعة في البداية؛ لكنه لم يفشل تماما، وأصر على استكمال التجربة، وبدأ تأهيل المزيد من الشباب الراغبين في العمل لمواجهة الآراء المحبطة، حتى من جانب الطبيبة النفسية التي كانت تتابع علاج ابنه والتي قالت له بوضوح "أنت نموذج للأب الذي يحبط توقعات ابنه".
وعلى الرغم من هذه الجملة القاسية، استمر بيكو وتخطى صعوبات البداية وأصبح بعد خمس سنوات من العمل الشاق يمتلك شركة كبيرة هي (بيتزا أوت) التي تدير مطعمين أصبحا من أكبر مطاعم إيطاليا، لدرجة أن الراغب في حجز طاولة للعشاء عليه أن ينتظر لعدة أيام حتى يجد محلا مناسبا.
أهم ما يفخر به بيكو كامبرا أن كافة العاملين في شركته من الشباب المصابين بالتوحد.
ويقول كامبرا إنه يختار العاملين معه من بين قوائم المتقدمين ويلتقي بالمرشحين ثم يبدأ في اختبار قدراتهم لوضع برنامج تدريبي ملائم وبعدها يبدأ في تنمية مهاراتهم على العمل الجماعي بعد اجتياز اختبارات عقلية وبدنية.
ويضيف صاحب سلسلة المطاعم الشهيرة "من يلتحقون بالعمل يكونون أميل إلى الصمت والعزلة في البداية؛ لكنهم بعد أيام قليلة يندمجون معا ولا يتوقفون بعد ذلك عن الكلام أو الحركة".
وأدرك بيكو، الذي يحرص على تشغيل المصابين بالتوحد، أن أمثال هؤلاء يخافون في بداية التحاقهم بالعمل من الاحتكاك بالناس أو ركوب المواصلات للوصول إلى مقر العمل، لكن بمزيد من الثقة ينخرطون في العمل بكفاءة غير عادية ويعيشون حياة شبه عادية.
وأشار في حديثه مع وكالة أنباء العالم العربي إلى حالة شاب ظل يتلقى علاجا نفسيا لمدة أربع سنوات دون تقدم يُذكر لكن حالته تحسنت كثيرا بعد أقل من شهر من بدء عمله في المطعم. ونقل عن الشاب قوله "قبل العمل هنا كانت قطع كثيرة من جسدي تتآكل أو تموت، لكنها الآن تنطق بالحياة وتصر على استكمال رحلتها إلى الأمل".
أضاف بيكو "أشعر بفخر كبير لأن هؤلاء المصابين بالتوحد أصبحوا فئة مستقلة، خففوا من أعباء الدولة في علاجهم وصاروا يدفعون لها الكثير من الضرائب ويعيشون بشكل مستقل عن العائلة في حياة تماثل الحياة التي يعيشها من هم في مثل أعمارهم".
* شروط العمل
ويوضح أنه حين يتلقى طلبا من عائلة لضم شاب متوحد لفريق العمل بالمطعم، يخبر الأب والأم بأنه سيأتي اليوم الذي يضطران فيه للتخلي عن هذا الابن بالموت القادم لا محالة، لذلك من الأفضل لهما تأهيله للحياة وتركه وهما على علم بمصيره في المستقبل.
لم يلجأ بيكو لكتابة برنامج تدريبي لتأهيل من يختارهم، لأنه يؤمن بتباين قدرات الناس ويقول "أستقبل بصورة يومية مئات الترشيحات للعمل بالمطعم، لكني أختار بدقة وأضع برنامجا يتوافق مع ظروف كل حالة".
تستمر فترة التأهيل والتدريب ما بين ستة إلى ثمانية أشهر، يستطيع المتدرب بعدها العمل فعليا. وخلال تلك الفترة، يعفي بيكو العائلات من مصروفات التعليم والعلاج.
ويقول "كان الأمر شاقا في البداية وشبه مستحيل، لدرجة أن خبراء التربية والتأهيل النفسي سخروا من طموحي ولم يتخيل أحد منهم أن باستطاعة مرضاهم من المصابين بالتوحد تحقيق أي تقدم لكن يشاهدونهم اليوم وهم يجهزون وجبات غداء أو عشاء لأكثر من 500 شخص في اليوم الواحد".
من المعروف أن التوحد، المعروف أيضا باسم اضطرابات طيف التوحد، هو مجموعة من الاعتلالات المتنوعة المرتبطة بنمو الدماغ. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن حوالي طفل من بين كل 100 يعاني من التوحد، والذي يمكن اكتشاف علامات الإصابة به في مرحلة الطفولة المبكرة، ولكنه لا يُشخص غالبا إلا بعد ذلك بفترة طويلة.
وتقول المنظمة إن قدرات المصابين بالتوحد واحتياجاتهم تتباين، ويمكن أن تتطور بمرور الوقت. وقد يتمكن بعض المصابين بالتوحد من التمتع بحياة مستقلة، غير أن آخرين يعانون من إعاقات وخيمة ويحتاجون إلى الرعاية والدعم مدى الحياة.
لم يلجأ بيكو لمستشارين نفسيين لتأهيل مصابي التوحد؛ ويصف نفسه بأنه رجل أعمال؛ ويقول "لم أطمح لعلاج أحد. فقط، كنت أرغب في مساعدة ابني ومن يعانون معه وأدفع بهم إلى سوق العمل، لأن تجربتي مع ابني لم تكن سهلة وشاهدت الكثير من الأسر وهي تستدين لأجل الحصول على علاج ملائم لأولادهم؛ لذلك، لم يكن أمامي سوى العمل لغلق أبواب الحاجة".
وخلال هذا العام، تأسست أكاديمية تابعة للمشروع تحت اسم (أوت أكاديمي)، والتي تعطي شهادة تؤهل من يحصل عليها للعمل في سلسلة المطاعم التي لقيت دعما هائلا من شخصيات عامة ونجوم مجتمع يأتون لتناول البيتزا والتقاط الصور مع كافة أفراد الخدمة.