أوبرا العتبة .. مسرحيّة داخل سوق شعبيّة في أحد أشهر ميادين القاهرة
مشهد من مسرحيّة أوبرا العتبة التي تعرض على مسرح الطليعة في العاصمة المصرية القاهرة
  • القاهرة

  • السبت، ١٣ يوليو ٢٠٢٤ في ١٢:١٧ ص
    آخر تحديث : السبت، ١٣ يوليو ٢٠٢٤ في ١٢:١٧ ص

أوبرا العتبة .. مسرحيّة داخل سوق شعبيّة في أحد أشهر ميادين القاهرة

(وكالة أنباء العالم العربي) - في ميدان العتبة الشهير بالعاصمة المصرية القاهرة، وعلى مقربة من مبنى المسرح القومي العريق، يتابع روّاد أحد الأسواق الشعبية مشهدا يتكرّر كلّ ليلة حين تقف مغنية أوبرا عند التاسعة مساء لتصدح بمقاطع من معزوفات عالميّة وإلى جوارها زميلها المغني ليُكمل المعنى.

على الرّغم من صخب أصوات الباعة والمارة في الميدان المزدحم في أغلب الأوقات، فإنّ المشهد الافتتاحيّ لمسرحيّة (أوبرا العتبة) الذي تقدمه المغنيّة الأوبرالية وزميلها يثير انتباه المارة وشغف المتجولين على نحو يدفع البعض منهم إلى الدخول لمعرفة سرّ وقوف المغنيين في هذا المكان.

المشهد نفسه يبدو مثيرا لجمهور المسرحيّة، التي تُعرض على مسرح الطليعة في منطقة العتبة وتحظى باهتمام إعلاميّ وتستقطب جمهورا متنوعا منذ أن بدأ تقديمها قبل نحو ثلاثة أسابيع.

بعد نهاية المشهد الافتتاحي، يدخل الجمهور إلى المسرح ليجد نفسه في مواجهة خشبة تقليديّة مقسّمة إلى قسمين، يمين المسرح ويساره؛ في اليمين، يرتب رجل أركان مكتبته ويتّخذ سمت المثقف القابع في برج عاجي بينما تجلس سيدة حائرة تُمسك بحاكوم ينقلها من قناة فضائيّة إلى أخرى قبل أن تقرر مهاتفة السوبر ماركت.

تطلب سيدة الحاكوم تلك سلعا متعددة تشبه نهمها للاستهلاك، وقد بدا أنها محاصرة بخوفها المرضيّ من نقص السلع والأدوية ومن عودة زوجها الذي يعمل في الخارج بينما تستنزف هي مدخّراته.

مغنيّة أوبرا تقف في ميدان العتبة بالعاصمة المصريّة القاهرة لتقديم افتتاحيّة عرض مسرحيّة (أوبرا العتبة) التي تقدّم على مسرح الطليعة

الحصار المُلهم

في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)، أوضح مؤلّف المسرحيّة ومخرجها هاني عفيفي أنّ هذ العمل تأسس على مفارقة العلاقة بين الداخل والخارج؛ فقد أراد منه "نقل الداخل إلى الخارج والعكس".

وقال "تنقل المسرحية إجمالا الصخب العشوائي في الأسواق المجاورة إلى داخل المسرح؛ كما ترغب في استقطاب جمهور تلك الأسواق ليتحرّك إلى داخل المسرح ويكسر اغترابه عن نوعيّة معيّنة من الفنون يظنّ أنّها نخبويّة، في حين أنّها جماهيريّة لكنها تعجز عن الوصول إليه".

وأشار عفيفي إلى أنّ ما وصفه بالحصار الذي تفرضه الأسواق العشوائية على موقع مسرح الطليعة والمسرح القومى هو الذي ألهمه بفكرة العرض؛ "فقد أصبح المسرحان اللذان يمثّلان القيم الثقافيّة فى عزلة عن المجتمع والجمهور، الذي لا يدرك قيمة المسرحين ولا يعرف كيف يصل لهما".

من جانبه، يرى الناقد المسرحي أحمد خميس أنّ المسرحيّة تخوض مغامرة يوميّة من خلال مشهد مغنيّة الأوبرا التي تقف وسط الميدان بين الباعة الجائلين وتثير اهتمامهم، ويصف فكرتها بأنّها "شجاعة، لأنها تستفز الجمهور وتدين عُزلة المثقّف وتكشف قبح ثقافة الاستهلاك".

وقال إنّ "العرض ينتمي إلى عروض الاسكتشات التي لا يجمعها رابط أو خيط دراميّ واحد لكنّها تطرح قضاياها على المتفرج وتنقل ما يحدث في المجتمع".

مشهد من مسرحيّة أوبرا العتبة التي تعرض على مسرح الطليعة في العاصمة المصرية القاهرة

تشوّش عام

طوال العرض، الذي يستمرّ لنحو ساعة، يُتابع الجمهور مجموعة من الاستعراضات التي تكشف حالة من التشوّش العام وتنقل استجابة الجميع لما تطرحه مواقع التواصل الاجتماعيّ من قضايا تُصبح على رأس أولويّات المجتمع.

ويظهر داخل المسرح ممثلو العرض وهم يؤدّون أدوار الباعة ويُمسكون بمكبّرات الصوت الصاخبة؛ كما ينقل النصّ معاناتهم في ظلّ صعوبات الوضع الاقتصادي.

وأشاد خميس بقدرة مؤلّف العرض ومخرجه على "تمرير رسائل وانتقادات بمنتهى الحرفيّة والمهارة دون التورّط في صدام مباشر مع الرقابة؛ فقد اعتمد على آليات التهكّم والكوميديا لكشف الطابع العشوائي وأثره على المجتمع".

ينتهي العرض وجميع الأطراف محاصرون بمجموعة من صناديق السلع والأدوية بعد تفشّي حالة الخوف المرضي. وتلحّ المسرحيّة أيضا على قضية اغتراب المثقف القابع في برجه العاجي غير قادر على الاشتباك مع القضايا اليومية؛ فهو غارق في متاهة المصطلحات الفلسفيّة ومنفصل تماما عن التحديات التي يفرضها الواقع.

ويرى خميس أنّ المسرحية ترفض تصنيف الإنتاج الفني قياسا إلى مدى استجابته لمطالب فئة أو شريحة من المثقفين أو الجمهور وتنتصر لقبول فكرة التعدد "حيث لا تعارض بين الشعبي والنخبوي طالما أنه يحقق المتعة".

وتجسّد شخصيات المسرحيّة مجموعةٌ من الممثلين الهواة، إلى جانب الممثلة دعاء محمد حمزة والممثل محمد عبد الفتاح (كالابالا). أما المخرج هاني عفيفي، المتخرّج من ورشة الإخراج بمركز الإبداع الفني في دار الأوبرا المصرية، فقد سبق أن قدّم مجموعة من العروض، منها (عن العشاق) و(مشاحنات) و(ولا في الأحلام).