انبعاثات مولدات الكهرباء الخاصة في لبنان تهدد صحة اللبنانيين
(وكالة أنباء العالم العربي) - تنتظر كوليت الرازي عودة التيار الكهربائي المتصل بالشبكة الوطنية ليوقف صاحب المولد الكهربائي الخاص عمله لساعات قليلة حتى تتمكن من فتح نوافذ منزلها في شارع الحمرا بالعاصمة اللبنانية بيروت.
وقالت كوليت (50 عاما) لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "رائحة المازوت (الوقود المستخدم في تشغيل مولدات الكهرباء) تدخل إلى غرف النوم والمطبخ إذا تركت النوافذ مفتوحة"، مشيرة إلى أن الدخان المنبعث من المولد أصاب ابنتها بمرض رئوي.
وأضافت "لم يكن لدى المولد مصفاة لتنقية الدخان، وكانت هناك مماطلة (من قبل صاحب المولد) في الالتزام بالمعايير البيئية، واكتفى فقط بإطلاق الوعود، إلا أنني اتفقت مع بعض سكان الحي على توجيه إنذار له عبر محامي لمحاولة ردعه".
وتابعت قائلة "حين شاهد صاحب مولد الكهرباء أن الأمور متجهة إلى مسار قانوني... اضطر إلى تركيب مصفاة".
وعلى الرغم من تركيب مصفاة، تعتقد كوليت أن الانبعاثات الصادرة عن مولد الكهرباء تبقى مؤذية. وقالت السيدة اللبنانية "هي تقلل المخاطر لكن لا تلغيها، وإن التزم صاحب المولد أمام منزلي فمن يضمن باقي المولدات في المنطقة؟".
ابتلي اللبنانيون بانقطاعات الكهرباء على مدى عقود بعد حرب أهلية استمرت 15 عاما بجانب ضربات إسرائيلية استهدفت محطات توليد الكهرباء، ولا تصل الكهرباء إلى المنازل من الشبكة الوطنية إلا لبضع ساعات كل يوم، كما أنهكت أزمة مالية تعصف بالبلاد منذ 2019 قدرة لبنان على تأمين الوقود اللازم لمحطات الكهرباء.
ويضطر اللبنانيون إلى الاعتماد على موردين من القطاع الخاص يوزعون الكهرباء على الأحياء السكنية من خلال مولدات صغيرة وكابلات تتدلى من أعمدة الإضاءة.
وتعتمد مولدات الكهرباء الخاصة الموجودة في الأحياء السكنية في تشغيلها على زيت وقود المازوت كثيف الكربون، ويشترك سكان كل حي في دفع قيمة استئجار المولد شهريا من مالكه لتوفير الكهرباء في أثناء انقطاع الكهرباء من الشبكة الوطنية.
وتدخلت وزارة الطاقة والمياه في 2019 لتنظيم عمل أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن اللبنانيين يدفعون مئات الملايين من الدولارات لأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة.
لكن بجانب التكلفة المالية الباهظة، يوجد كذلك تكلفة صحية.
وجاء في دراسة أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت ونشرت في أبريل نيسان عن تأثير انقطاع الكهرباء لما يزيد على 20 ساعة يوميا عن سكان العاصمة اللبنانية أن متوسط إشعارات التلوث في منطقة الجامعة الأميركية ومنطقة وسط المدينة التجارية ومنطقة المقاصد بجامعة التمريض تجاوزت المستويات القياسية لمنظمة الصحة العالمية بثلاثة أمثال على الأقل.
وقالت النائبة نجاة عون صليبا، عضو لجنة البيئة في البرلمان اللبناني والتي شاركت في إعداد الدراسة، إن مصادر التلوث التي تم تحديدها في المواقع الثلاثة هي انبعاثات الوقود.
وأبلغت وكالة أنباء العالم العربي "العامل الأساسي في المواقع الثلاثة هو انبعاثات الديزل، وتحديدا من المولدات، بنسبة 56 بالمئة في الوسط التجاري، و42 بالمئة في الجامعة الأميركية، و43 بالمئة في المقاصد".
وحذرت النائبة من الآثار السلبية للانبعاثات الصادرة عن تسعة آلاف مولد كهرباء على الأقل في بيروت فحسب.
وأضافت "السكان يعانون من أعراض صحية خطيرة بسبب قطاع المولدات الذي تحول إلى ما يشبه معامل كهرباء صغيرة (محطات توليد كهرباء) بجانب المنازل والمجمعات السكنية، سواء على مستوى الضجيج... وصولا إلى التلوث الذي يؤدي إلى أمراض قاتلة".
وأشارت النائبة اللبنانية إلى أن انبعاثات الديزل في منطقة الجامعة الأميركية ارتفعت بنسبة 100 بالمئة منذ آخر دراسة أجريت في 2016-2017.
ومضت تقول "خطر الإصابة بالسرطان في المواقع الثلاثة أعلى من العتبة المحددة من قبل وكالة حماية البيئة بزيادة 53 بالمئة مقارنة بالمعدل المحسوب سابقا".
وأوضحت النائبة قائلة إن خطر المولدات لا يقتصر فقط على تلوث الهواء. وأضافت "الأمر يطول السلامة العامة ويؤدي إلى حرائق وأخطار صحية ونفسية مع الضجيج المستمر. من حق المواطن أن يعيش في بيئة سليمة حيث لا يجوز أن نخيره بين الموت أو الكهرباء".
وخلال إطلاق (الخطة الوطنية لمكافحة السرطان) العام الماضي، قال وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض إن لبنان به أحد أعلى معدلات الإصابة بالسرطان في العالم، مثل سرطان الرئة والمثانة، مضيفا "يساعد في ذلك انتشار المسببات مثل التدخين والتلوث وغير ذلك".
وقال طبيب الأمراض السرطانية جورج مرهج لوكالة أنباء العالم العربي إن التلوث الناجم عن انبعاثات مولدات الكهرباء ساهم في زيادة احتمالات الإصابة بمختلف أنواع السرطانات.
وأضاف "ما نشهده حاليا من حالات هو نتاج السنوات السابقة إضافة إلى المرحلة الحالية، لكن الأخطر هو مخاطر الإصابة مستقبلا في حال استمرار ارتفاع نسبة تلوث الهواء".
مسار قانوني
اتخذ إلياس بولس (40 عاما) مسارا قانونيا للتصدي إلى التلوث الناتج عن الاستخدام الكثيف لمولدات الكهرباء، وقدم شكوى بحق صاحب المولد الكهربائي في منطقة التحويطة في بيروت متهما إياه بارتكاب مخالفة بيئية ومالية.
وقال بولس لوكالة أنباء العالم العربي "تقدمت بشكوى إلى بلدية بيروت طالبتهم بملاحقة صاحب المولد الذي كان يرفض تركيب عداد لتحديد استهلاك منزلي للكهرباء".
وأضاف "المخالفة لم تتوقف هنا، إنما كانت الأزمة الأكبر عدم تركيب مصافي لتنقية الدخان، فتقدمنا بشكوى بيئية".
وقال المحامي شكري حداد، الذي يتولى متابعة المسار القانوني في تقديم الشكاوى ضد المخالفين من أصحاب المولدات الكهربائية، إنه تم اللجوء إلى خطوات تصاعدية من أجل الحد من الأخطار الصحية لمولدات الكهرباء، وذلك عبر المطالبة بتطبيق قانون حماية الهواء وقانون حماية البيئة والتعاميم الصادرة عن وزارة البيئة.
وأضاف "من الخطوات المتخذة تقديم شكاوى المواطنين التي تم إرسالها لنا إلى المحافظات المعنية، وحاولنا حث الإدارات المعنية بالمراقبة والمتابعة وذلك عبر تقديم كتب إلى كل من الوزارات الثلاث (الطاقة والمياه والبيئة والداخلية)، تضمنت ضرورة المتابعة وممارسة الرقابة الجدية على قطاع المولدات".
وأصدرت وزارة البيئة تعميما في سبتمبر أيلول الماضي يلزم أصحاب المولدات الكهربائية بتركيب نظام لمعالجة تلوث الهواء والتقيد بالحد الأدنى لارتفاع العادم (أنبوب لطرد الغازات).