الشاي المغربي.. من بلاط القصر إلى الشعبية
سيدة تصب الشاي المغربي في مدينة طنجة
  • الرباط

  • الثلاثاء، ٦ أغسطس ٢٠٢٤ في ٢:٣٤ م
    آخر تحديث : الثلاثاء، ٦ أغسطس ٢٠٢٤ في ٢:٣٤ م

الشاي المغربي.. من بلاط القصر إلى الشعبية

(وكالة أنباء العالم العربي) - يُعتبر الشاي رمزا للضيافة والترحيب في المجتمع المغربي؛ وشربه عادة يومية مرتبطة بثقافة هذا البلد، لها طقوسها الخاصة، حيث دائما ما يكون حاضرا في المناسبات والاحتفالات؛ ويسمى عند المغاربة (أتاي).

وحول تاريخ أتاي في المغرب، أوضح هشام الأحرش، المهتم بالثقافة والتراث المغربي، أن الشاي دخل القصر الملكي عن طريق السلطان إسماعيل بن الشريف، المعروف أيضا باسم مولاي إسماعيل، والذي حكم البلاد في الفترة من عام 1672 إلى عام 1727.

أتاي.. البداية من القصر

في ذلك الوقت، كان الشاي مرتبطا بتقديم الطعام في بلاط السلطان المغربي. لكن الأحرش قال في حوار مع وكالة أنباء العالم العربي إن الشاي "بعد أن دخل الفضاء السلطاني، وأصبح مشروبا يوميا من قبل السلطان، خرج من فضاء المطبخ المتعلق بالطعام إلى فضاء الجلوس وأصبح رمزا أكثر منه طعاما".

وبحسب الأحرش، فإن الشاي، الذي دخل القصر السلطاني نهاية القرن 17 وبداية القرن 18، كان يُقدّم على موائد الطعام داخل القصر، بما تتميز به تلك الموائد من خصوصية.

وفي القرن التاسع عشر، أصبح الشاي المغربي شعبيا جدا، وبدأ استهلاكه من قبل الطبقات الشعبية والأرستقراطية على حد سواء.

أضاف "كان هناك ما يسمى بـالحَنْطَاتْ، وهي تخصصات متعلقة بالطعام في القصر؛ فكان لتحضير الشاي حَنْطَة خاصة به، ومكلفون بإعداده على طريقة معينة ووفق شروط محددة يجب توفرها، حيث كان الشاي يُقدم للسلطان في كل الأوقات ومتى دعت الضرورة لذلك، وهو ما يتطلب خصوصية معينة للتعامل مع هذا المشروب.

"كان مفروضا على من يقدّم الشاي أن يتبوأ مكانة داخل الحرم السلطاني. والتاريخ يسجّل أن جد الصدر الأعظم با أحمد، الحاجب السلطاني الصغير، كان المسؤول عن تقديم الشاي للسلطان مولاي سليمان آنذك. وهنا نستحضر مكانة الشاي داخل الحرم السلطاني، وانتقاله إلى الرمزية".

حاجب ملكي

ووفقا للأحرش، فإن لتحضير الشاي المغربي أبعاد رمزية وجمالية من خلال الطريقة التي يُعَدّ بها والأواني التي يُحَضّر فيها أمام السلطان وبحضوره، حيث تقام جلسة مخصصة لتحضيره، ويأتي حاجب ملكي خاص بإعداد الشاي ويجلس على الأرض في مكان مفترش بعناية.

في هذ المكان المخصص، تُقدّم أوان فضية أو نحاسية خاصة بتجهيز الشاي. ولا تُوكل لهذا الحاجب أي مهام أخرى موازية، بل كل ما عليه فقط تحضير الشاي وتقديمه للسلطان.

وتوارثت العائلات المغربية طريقة إعداد الشاي من الأسلاف، الذين كانوا يقلّدون السلطان في تحضير هذا المشروب. وفي البيوت المغربية اليوم، يتم اختيار الشخص الذي يقدم الشاي بعناية، كأن يكون كبير العائلة، أو أهم فرد فيها، أو الكبير سنا. وذهب المغاربة في تقدير الشاي إلى أن يكون تقديم كؤوس الشاي للأكبر سنا ثم الأصغر .

وطقوس تحضير الشاي المغربي، خاصة في حضور الضيوف، تتطلب عددا مهما من الأواني، حيث يُقدّم في برّاد (إبريق)، وهو الإناء الأهم الذي يضم جميع المكونات ومنه يُسكب الشاي في الكؤوس، ويوضع في وسط الصواني الفضية أو النحاسية.

وتكون تلك الصواني دائرية أو بيضاوية الشكل ولها ثلاثة أرجل تماما كالمائدة المغربية التقليدية. أما الأكواب فتكون زجاجية صغيرة، ويكون هناك صحن آخر مرافق به ثلاث أوان فضية أو نحاسية تُسمى (الرْبَايْعْ)، وتكون بأحجام متفاوتة، حيث يوضع بها السكر وحبوب الشاي والنعناع.

مواصفات وطقوس خاصة

وقال الأحرش إن تحضير الشاي يتطلب شروطا معينة في مُعدّه؛ "فلا يجب أن يكون أعرجا أو أعمى... الشاي برمزيته الكبيرة، خرج من فضاء المطبخ إلى فضاء استقبال الضيف، حيث يُحضّر أمامه، كما لو كان طقسا احتفاليا؛ وفي تحضيره أمام الضيف معنى رمزي، مرتبط بالثقة والأمان من جهة، والتقدير والاحترام من جهة ثانية".

وارتبط شرب الشاي عند المغاربة بالجلسات الحوارية والنقاشات العائلية والمهنية وجلسات اتخاد القرارات العائلية، وهو ما يسميه المغاربة (المْهَاوْدَة)، أي تبادُل أطراف الحديث.

ومن طقوس تحضير الشاي وتقديمه، بحسب الأحرش، أن من يُكلّف بهذه المهمة هو من يُقدمه حتى ينتهي. "ولا يحق، أو ليس من اللباقة، أن يتقدم أحد لصب الشاي بنفسه، بل على قائد الصينية أن يقوم بذلك بنفسه".

وأشار الأحرش إلى أن هناك روايات تفيد بأن السلطان مولاي إسماعيل كان يطلب من التجار في الخارج، خاصة في إنجلترا، تزويده بأواني الشاي "وهو ما يفسر أن معظم أواني الشاي هي في الأصل مستوردة من إنجلترا، غير أنها تمت مغربتها حتى أصبحت تمثل المغرب وتميّزه عن غيره من بلدان العالم العربي؛ فالبراد الذي اشتهر بمغربيته هو في الأصل مستورد من إنجلترا".

هوية وثقافة مشتركة

وقال الأحرش إن الشاي "لم يعد مجرد مشروب شعبي بالمغرب، بل أصبح رمزا مرتبطا بالهوية المغربية، على خلاف بلدان الشرق المعروفة بالقهوة، التي حلت مشكلة الضيافة.

"وبعض الغربيين يعتقدون أن المغاربة يستهلكون الشاي منذ ألف سنة، فيما كان ظهوره فقط منذ أواخر القرن السابع عشر وبداية القرن 18 مع السلطان مولاي إسماعيل... بعيدا عن التاريخ والرمزية التي يحظى بها الشاي، فهذا المشروب الشعبي الساخن يُعدّ مشروبا مشتركا بين كافة فئات المجتمع، لا يميز بين غني وفقير؛ فكما شربه سلاطين المغرب، شربه أيضا فقراؤه".

وأضاف المغاربة أعشابا منسمة للشاي، لعل أشهرها النعناع والشِّيبَة، ثم أضافوا للمكونات السكر لاحتياجهم للسعرات الحرارية. وكانت حبوب الشاي تُسْتقدم من إنجلترا، فيما كان النعناع وباقي الأعشاب المنسمة منتجات محلية، باعتبار المغرب بلدا زراعيا، وفقا للأحرش.

ونقل الأحرش عن التهامي الگلاوي، باشا مراكش آنذك، أن والده في جلسات الشاي كان يُقدم الشاي غير مُنسم، وبعد ذلك يُنسّم من قبل ضيوفه.

في جانب آخر، كان الشاي يُستعان به في فصول الدراسة. فقد كان الأمير مولي إدريس ابن السلطان مولاي سليمان رجلا عالما، وكان يقيم جلسات مع الطلبة يتخلل جزءا منها تقديم الشاي. وقال الأحرش "عندما كان الأمير مولي إدريس يرى في طلبته بوادر إعياء، كان يقدم لهم الشاي لتتجدد طاقتهم".

المشروب المُدلل

ويرى الأحرش أن الشاي مشروب مدلل لدى المغاربة وأن الاحتفاء به يظهر "رغبة في إظهار الحدث".

ويقول "لا يمكن للشاي أن يُصَب كما يُصب الماء... تكون هناك رغبه لأن يُشاهد (الشاي) ويُسمع ويُتذوّق؛ يجب أن يمتلك عند المغاربة كل حواسهم، فهو مشروب مدلل ويتطلب الفخامة. كوب الشاي الرفيع هو الذي تعتليه رَزّة أو كَشْكُوشَة (رغوة بيضاء كزبد البحر)، وهذا معيار الشاي الرفيع".

ويتطلب تحضير الشاي على الطريقة المغربية تسخين الماء حتى يصل إلى درجة الغليان ويُصَب في الإبريق بعد وضع مقدار ملعقتين من حبوب الشاي، ثم يضاف السكر والنعناع ويُترك الإبريق فوق نار هادئة لبضع ثوان. ويقدم الشاي ساخنا في أكواب زجاجية مخصصة له.

وللشاي المغربي الكثير من الفوائد الصحية، لاحتوائه على العديد من الفيتامينات والمعادن المهمة التي تعمل على تحسين صحة الجسم في مجالات متعددة.