"الرواية تموت أم تترنح؟".. سؤال يطرحه التونسي كمال الرياحي في كتاب جديد
صورة غلاف (الرواية تموت أم تترنح) للكاتب التونسي كمال الرياحي
  • القاهرة

  • السبت، ٢٠ يوليو ٢٠٢٤ في ١٢:٢٠ م
    آخر تحديث : السبت، ٢٠ يوليو ٢٠٢٤ في ١٢:٢٠ م

"الرواية تموت أم تترنح؟".. سؤال يطرحه التونسي كمال الرياحي في كتاب جديد

(وكالة أنباء العالم العربي) - في كتابه الجديد (الرواية تموت أم تترنح)، يؤكد الروائي التونسي كمال الرياحي على أهمية جودة النص وعدم التسامح مع النصوص العربية الرديئة، بل وربط ذلك بمناصرة القضية الفلسطينية.

وفي الكتاب الصادر عن دار النهضة العربية ببيروت في 336 صفحة، يبحث الرياحي (50 عاما) في العديد من الأسئلة الفنية المرتبطة بواقع الرواية العربية اليوم، كما يحلل عدة نصوص روائية لمؤلفين عرب من بلدان مختلفة يرى أنها تحاول البحث عن آفاق جديدة.

ويصف الرواية بأنها "الجنس الأدبي الفينيق" الذي ينتفض من رماده كل مرة.

يتوقف الكاتب أمام مفارقة لافتة، وهي أن السؤال حول مصير فن الرواية يتردد بقوة اليوم في ظل هيمنتها كنوع أدبي

على بقية أجناس الكتابة من ناحية، وفي ظل "إخفاقاتها الكبيرة وضمور غوايتها وتحولها إلى كائن باهت لم يعد يفاجئ أحدا بعدما كان عصيا على الحد ككائن عجائبي إمبريالي يلتهم في وحشية كل شيء".

ويقول الرياحي "الرواية تعيش اليوم حالة من الفيضان، كما أنها منتهَكة بكثرة منتجيها"، معتبرا أنها فقدت لياقتها كذلك وصارت في خريف العمر.

ويهاجم المؤلف غالبية الإنتاج الروائي العربي اليوم لأنه وُلِد يوم خرج للناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي وورشات الكتابة وقنوات اليوتيوب والتلفزيون، ويشير في الوقت ذاته إلى أن التهافت على فن الرواية صار ظاهرة عالمية في ظل انحسار الشعر وإعراض دور النشر عنه.

ويضيف "تحوَّل هذا الجنس الأدبي الصعب إلى أكثر الأجناس الأدبية انتهاكا في العصر الحاضر".

ويتابع "هذا الاستعجال في الكتابة والنشر واحد من أهم المخاطر التي تدفع بفن الرواية إلى التهلكة؛ فالكاتب أصبح الحَكَم على أعماله، وهو الذي يجيزها في غياب دور الناشر والمحرر الأدبي مما أسقط المشهد الروائي في رداءة غير مسبوقة".

ويُحمّل الكتاب نقاد الأدب الأكاديميين مسؤولية تدهور الإنتاج الروائي والأدبي عموما.

دور الرواية ودور النقد

يرى الرياحي أن أغلب الأكاديميين يعيشون بعيدا عن الأضواء، وأن تقديم الكتب يمثل فرصة لبعضهم للظهور "لذلك لا يتوقفون عن كتابة مقدمات مجاملة للمبدعين، ونادرا ما تجد تقديما يتناغم مع مستوى النص".

ويرى كذلك أن هناك صنفا ثانيا من النقاد المعادين للمؤلفين، "وهم النقاد الذين جاؤوا إلى حقل النقد من خارج الثقافة النقدية للجنس الأدبي. هؤلاء الذين يستندون في مراجعات الأعمال الإبداعية إلى مخزونهم اللغوي ولا يتحدثون إلا عن الأخطاء اللغوية".

ويعتبر الرياحي أن هؤلاء أشد خطرا على الأدب من المصححين، لأنهم يُعلون من شأن نصوص رديئة بسبب لغتها ويُسقطون أعمالا جيدة بسبب سوء فهمهم للغة الجنس الأدبي وإمكاناته.

ويلاحظ أن أي نقاش حول عمل أدبي في عالم اليوم صار مرتبطا بحدث سياسي، ويدلل على ذلك بمجموعة من الوقائع منها أن عالم ما بعد الثورات العربية "ساهم في شيوع أدب الديستوبيا"، كما أن التطورات السياسية في العالم تدفع أيضا في هذا الاتجاه.

ويلفت إلى أن عودة الروايات الكلاسيكية كل مرة إلى السوق تأتي نتيجة فعل السياسة، ويقول إنها هي التي تعيد إحياء الرواية وتعمل على توظيفها، وليس وعي القراء.

ويبحث الكتاب في قضايا مثل غياب "الشخصيات المفاهيمية" عن الأدب العربي، قاصدا الشخصيات التي يجري تمريرها في الواقع كنمط يُقاس عليه، مثلما كانت شخصية دون كيخوته في الأدب الإسباني والعالمي، معتبرا أن شخصية (سي السيد) التي أبدعها نجيب محفوظ وحدها يمكن إدراجها تحت هذا العنوان.

كما يبحث الكتاب في أسباب غياب الرواية البوليسية في عالم الأدب العربي، مؤكدا أن المنطقة العربية تمثل أرضية ضديّة لهذا النوع من الأدب لأنها "مجتمعات تنتصر للجاني ولا يعنيها المجني عليه أو الضحية". ويصف المجتمعات العربية بأنها "مجتمعات مناوئة في العلن أو في الخفاء للأنظمة التي تحكمها".

وكمال الرياحي كاتب وإعلامي ومدير ورشات كتابة تونسي يعيش في كندا حيث يُدرّس الكتابة الإبداعية في جامعة كارلتون بالعاصمة أوتاوا، كما أنه أدار العديد من المؤسسات الثقافية في تونس.

وله عدة أعمال روائية منها (الغوريلا) و(المشرط)، وحصل على العديد من الجوائز الوطنية والعالمية منها جائزة الكومار الذهبي لأفضل رواية تونسية عن روايته (المشرط) عام 2007، وجائزة ابن بطوطة العربية لفن اليوميات عام 2018، وفاز في مسابقة (بيروت 39) التي نظمتها مؤسسة (هاي فيستيفال) عام 2009.

النصوص العربية والقضية الفلسطينية

يخصص الروائي التونسي فصلا كاملا في الكتاب يتضمن آراءه بشأن واقع القضية الفلسطينية كما تنعكس في الإنتاج الإبداعي، موضحا أن تعقُّد المشهد الفلسطيني يعزز الحاجة لأدب آخر يعمق خصوصية الحالة الفلسطينية. وينتقد الكاتب التفكير الفلسطيني-الفلسطيني والعربي-الفلسطيني في هذه القضية.

ويرى أن ما نحتاجه أدبا يقاوم بسخريته الداخل كما الخارج، ويقول إن توليفات جديدة تتجلى للأدب الفلسطيني الجديد بعيدا عن المنبرية، وهي نتاج مرحلة يسميها الروائي اللبناني إلياس خوري مرحلة "ما بعد اليأس".

ويضيف الكاتب المثير للجدل "تسقط فلسطين عندما نشلَّها ونصلبها ونبترها عن جدالنا الوجودي الماهوي مع أنفسنا فكريا... تسقط فلسطين حين نتسامح مع النصوص العربية الرديئة التي تتغنى بفلسطين، فنروّج لها ونكسبها حصانة".

ويعتبر أن الخطر الذي يتهدد فلسطين قادم من الأصوات العربية التي ترغب في تحويل قضية المقاومة إلى مناسبات كرنفالية معزولة أو إلى احتفال رسمي موسمي، وليس مادة ثقافية تمارس يوميا.

ويطرح سؤالا ربما يثير الكثير من الجدل "هل حان الوقت لنزع القداسة المضللة عن فلسطين كي يناقش الفلسطينيون قضيتهم من دون تابوهات، ويكفوا عن التعامل مع فلسطين كضريح مقدس ومشهد ولائمي تعتاش منه بعض الجمعيات وبضعة آلاف من الأفراد هنا وهناك في العالم تحت مسميات كثيرة؟.

وهو يرى أن نصا عربيا جيدا يترجم للغة العبرية "لهو أكثر تأثيرا على الآخر الصهيوني من صاروخ، لأن ذلك النص يضرب كل الأكاذيب التي تروج لها إسرائيل عن العرب".

وقبل سفره إلى كندا للعمل أستاذا للكتابة الإبداعية، واجه الرياحي في عام 2021 انتقادات واسعة في بلاده بعد حملة صحفية اتهمته بالتطبيع مع إسرائيل بعد موافقته على ترجمة روايته (المشرط) إلى العبرية.

ومنعت السلطات التونسية العام الماضي توزيع كتابه (فرانكشتاين تونس) الذي تضمن مقالات ذات طابع سياسي تبحث في واقع الحريات خلال فترة حكم الرئيس قيس سعيد وتُصور ما يزعم الرياحي أنه "الوحش الذي يأكل الثورة التونسية".