النقاب المغربي التقليدي .. جزء من الهوية الثقافية والاجتماعية في طريقه للانقراض
سيدة ترتدي النقاب التطواني في أحد أسواق مدينة تطوان بشمال المغرب ( 7 يوليو تموز 2024
  • تطوان

  • الجمعة، ١٢ يوليو ٢٠٢٤ في ٥:١٠ م
    آخر تحديث : الجمعة، ١٢ يوليو ٢٠٢٤ في ٥:١٠ م

النقاب المغربي التقليدي .. جزء من الهوية الثقافية والاجتماعية في طريقه للانقراض

(وكالة أنباء العالم العربي) - ما زالت فامة السفياني تلتزم بارتداء جلبابها المغربي باللثام التطواني منذ أن اعتادت ارتداءه عند زواجها في أواخر ستينيات القرن الماضي؛ فهو عندها رمز للحياء والعفة والوقار.

تحتفظ السيدة المغربية البالغة من العمر 77 عاما في دولابها بخمسة أو ستة جلاليب، كل بلثامه المناسب. وهي لا تتخيل نفسها خارج البيت مكشوفة الوجه، واعتبرت ذلك "مذمَّة" تعيب من هن في مثل سنها. ورغم هذا، لا تريد أن ترتدي بناتها أو حفيداتها النقاب، "فظروف العصر تغيرت".

قالت لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "ارتديت اللثام وأنا في العشرينيات من عمري، تمام كمثيلاتي من الفتيات في ذلك الوقت، وما زلت إلى اليوم ألبسه عند الخروج من البيت وحتى في المناسبات الخاصة".

وأضافت مبتسمة "بنات اليوم إذا ارتدين الجلباب باللثام فلن يتعرف عليهن أحد، وبالتالي لن يجدن زوجا، فكيف للرجل أن يعرف شكلهن؟ كما أن المجتمع اليوم لا يتقبل الشابات باللثام، فقد أصبح هذا غريبا بعض الشيء".

وقالت السيدة التطوانية مازحة "على عهدنا كان ارتداء اللثام رمزا للحياء والعفة، وكان الشباب يتلهفون لرؤية ملامح من تختفي خلفه، وكان من الطبيعي والمألوف أن ترتديه النساء بمختلف الأعمار. غير أن اليوم الظروف تغيرت ولا مجال لارتدائه. يكفي أن نحتفظ به نحن المسنات المتبقيات حتى نرحل ويرحل معنا".

والنقاب المغربي، الذي يُنطق "النْگاب" ويُعرف أيضا باسم اللثام، هو قطعة قماش تستخدمها النساء لتغطية الوجه أو جزء منه. ويُعد جزءا من التراث الثقافي المغربي التقليدي، ويختلف في تصميمه وشكله من منطقة إلى أخرى.

ويركز اللثام المغربي على تغطية الوجه جزئيا أو كليا، تاركا العينين مكشوفتين في بعض الأحيان. ويختلف قدر تغطية الوجه باختلاف المناطق والتقاليد المحلية.

ويحتوي اللثام عادة على أشكال من التطريز وزخارف تجميلية بما يعكس التراث المغربي. وهو يُستخدم في مناسبات معينة مثل الأعراس والمناسبات الدينية والاحتفالات التقليدية في بعض المناطق، وأحيانا يكون جزءا لازما من الزي النسائي اليومي خارج المنزل.

سيدة ترتدي النقاب التطواني التقليدي بمدينة تطوان الساحلية بشمال المغرب (7 يوليو تموز 2024)

سيدة ترتدي النقاب التطواني التقليدي بمدينة تطوان الساحلية بشمال المغرب (7 يوليو تموز 2024)

النقاب والأنثروبولوجيا

يقول الباحث الأكاديمي عياد أبلال المتخصص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الثقافية إن اللباس التقليدي بالمغرب ارتبط بتاريخ المغرب وهويته الثقافية والاجتماعية، دون أن ينفصل عن الجانب الاقتصادي.

ويضيف أن الملابس النسائية انتقلت من الثياب المرتبطة بالثقافة الأمازيغية إلى الجلباب التقليدي، مرورا بمرحلة وسيطة هي مرحلة "الحايك"، وهو قطعة من القماش الأبيض غير المحاك تغطي الجسم بأكمله. ويشير إلى أن هذه المرحلة "ارتبطت بدخول الإسلام المغرب واعتناق الأمازيغ له طواعية بكل روافده الثقافية والاجتماعية التي انتقلت من المشرق إلى المغرب".

ويتابع حديثه لوكالة أنباء العالم العربي قائلا إن الانتقال من الحايك باللثام الشفاف الذي تظهر منه ملامح الوجه إلى الحايك بالنقاب السميك انتشر في المغرب ما بين السبعينيات والثمانينيات مع انتقال موجات العادات الثقافية الإسلامية في الملبس من الشرق إلى الغرب.

ومع بدايات دخول المرأة المغربية سوق العمل في السبعينيات والثمانينيات وتزايد وتيرة التحاق الفتيات بالتعليم المدرسي والجامعي، كان الحايك عائقا أمام حركة المرأة في الفضاء العام، ومن ثم ظهر الجلباب التقليدي الذي عَرِف بدوره تحولات كبيرة ومتتالية من حيث التصميم والتطريز وما إلى ذلك، وانتقل من جلباب تقليدي إلى جلباب "عصري"، بحسب أبلال.

وأكد الباحث أن بداية الستينيات شكلت مرحلة  مهمة من مراحل التحول في اللباس والهندام عند المغاربة نساء ورجالا، وقال إنه مع نهاية والسبعينيات تباينت اختياراتهم بين التقليدي والعصري، وانتقل الحايك بلثامه ونقابه إلى الجلباب سواء بنقاب أو بلثام، ومنه إلى الجلباب العصري دون لثام ولا نقاب.

وشيئا فشيئا دخلت المجتمع المغربي الملابس العصرية إلى أن أصبحت الملبس الشائع في الشارع المغربي، واقتصر ارتداء الملبس التقليدي من جلباب وقفطان وغيرهما على المناسبات الاجتماعية والدينية.

يقول أبلال "اللباس يشكل مجموع علامات بصرية واجتماعية ورمزا للثقافة، فلكل مجتمع ابتكاراته وإبداعاته في الزي واللباس، ولا يوجد شكل من الملبس إلا وارتبط بهوية المجتمع ورؤيته للعالم والأشياء، وهو ما يعكس في العمق العلاقة بين الجنسين، والعلاقة بين العام والخاص".

ويستطرد قائلا إن المغاربة "ابتكروا نقابهم الخاص، وهو نقاب لا يخفي ملامح المرأة وهويتها، وهو في العمق ما يعكس هوية المجتمع المغربي الدينية والثقافية، وفي الوقت ذاته يعكس هويته الجمالية".

ويرى الباحث الأكاديمي أن انتقال الملبس المغربي من التقليدي إلى العصري انتقال طبيعي بحكم الاحتكاك الثقافي مع العالم المعاصر "وهو احتكاك يخفي صدمة الحداثة التي حصلت للمغرب والمغاربة منذ المرحلة الاستعمارية".

ويواصل الحديث قائلا "أمكننا ابتكار وإبداع ملابس عصرية تعكس العمق الرمزي لقيم وهوية المجتمع المغربي، وأقصد هنا قيم الشرف والعفة والحشمة والوقار. وهذه القيم الأخلاقية يجب أن تشكل حدودا فاصلة بين العام والخاص، وبين الحميمي والجماهيري".

وخلص إلى أن المغاربة أمكنهم صياغة نموذج عصري "دون أن يكونوا مجرد مقلدين لهويات مستوردة لا تتلاءم أحيانا مع خصوصياتنا الثقافية... وبرهنوا عبر تاريخهم على قدرتهم الخاصة في ابتكار وتطوير لباسهم التقليدي الذي بات عصريا ومعاصرا، بل صار نموذجا يُقتدى به في عدد من دور العرض والزي والموضة في العالم".

سيدة ترتدي النقاب الفاسي التقليدي في أحد شوارع مدينة تطوان الساحلية بشمال المغرب (7 يوليو تموز 2024)

سيدة ترتدي النقاب الفاسي التقليدي في أحد شوارع مدينة تطوان الساحلية بشمال المغرب (7 يوليو تموز 2024)

خصوصيات كل منطقة

النقاب أو اللثام المغربي ترتديه النساء في عدة مدن ومناطق خاصة تلك التي تحتفظ بتقاليدها وعاداتها التراثية، ومن هذه المدن فاس ومراكش والرباط وسلا ومكناس وتطوان وطنجة. كما أن له خصوصيات تميزه عن أشكال الحجاب الأخرى في العالم الإسلامي، بما في ذلك التصاميم والألوان.

تقول المصممة المغربية وسيمة أشرنان، ابنة مدينة تطوان بشمال المغرب، إن النقاب أو اللثام "هو زي خاص جدا كانت ترتديه النساء قديما، ويخاط بطرق مختلفة عن خياطة بقية الملابس المغربية التقليدية".

وعن الزي الذي تتميز به مدينتها قالت إنه يتكون من قطعتين رئيسيتين، الجلباب واللثام، بحيث يتم تصميم الجلباب بشكل بسيط وموحد ولا تدخل في تفاصيله التطريزات والأشكال كما هو الحال بالنسبة للجلباب الذي يلبس بغير لثام. أما اللثام فيكون في تطوان عبارة عن قطعة قماش صغيرة يتم تطريزها يدويا وبشكل خاص جدا، ويباع القماش الخاص بها بثمن باهظ.

وتشير وسيمة في حديثها مع وكالة أنباء العالم العربي إلى أن اللثام التطواني يختلف عن اللثام الفاسي والرباطي مثلا، فالتطواني غالبا ما يكون قطعة صغيرة بيضاء اللون ومثلثة أو مربعة الشكل تغطي الوجه بالكاد وتطرز جوانبها بأحد اللونين الأخضر أو الأبيض.

وتضيف أن النقاب المغربي يتميز بألوان معينة كالرمادي والأخضر الداكن والأسود والأزرق وأحيانا الأبيض، في حين يقتصر لون اللثام على الأبيض بالنسبة لنساء تطوان، وتشتهر مدن أخرى مثل فاس باللثام الأسود المطرز.

لكن وسيمة تقول بحسرة "اللثام في طريقه إلى الانقراض، فقليل من النساء لا يزلن يرتدينه، أغلبهن مسنات لم يعدن  يجدن من يخيط لهن نقابهن التقليدي".

(الدولار = 9.8 درهم مغربي)