• القاهرة

  • الأحد، ١٤ يوليو ٢٠٢٤ في ١٠:٠٩ ص
    آخر تحديث : الأحد، ١٤ يوليو ٢٠٢٤ في ١٠:٠٩ ص

الناقدة السورية شهلا العجيلي في كتاب جديد: رواية (اللجنة) لصنع الله إبراهيم أول ديستوبيا عربية

(وكالة أنباء العالم العربي) -  وصفت الروائية والناقدة السورية شهلا العجيلي رواية (اللجنة) للروائي المصري البارز صنع الله إبراهيم بأنها "أول رواية عربية تنتمي لأدب الديستوبيا"، كما رصدت في كتاب جديد عدة روايات عربية قاربت هذا الاتجاه الفني.

ويعرف نقاد الأدب "الديستوبيا" بأنه الأدب الذي يصور عالما تسوده الفوضى والظلم، بعكس أدب "اليوتوبيا" الذي يبشر بالمدينة الفاضلة ويتحدث عن المجتمع المثالي.
  
ترصد شهلا العجيلي في كتابها الجديد (رواية الديستوبيا العربية.. السياق والملامح الفنية) أكثر من رواية عربية معاصرة قاربت هذا الاتجاه الفني، ومن بينها روايات لإبراهيم عبد المجيد ونسمة عبد العزيز ومحمد ربيع من مصر وأحمد السعداوي من العراق.
 
تقدم شهلا العجيلي في الكتاب الصادر عن منشورات مجاز بالأردن دراسة لروايات "الديستوبيا" العربية مقترحة تعريفا لها، وتتقصى السياق الثقافي لنشأتها وتحدد ملامحها الفنية، وتشير إلى أن رواية "الديستوبيا" ظهرت في مرحلة متأخرة نسبيا من عمر الرواية العربية الذي يعود إلى نهاية القرن 19.

يرصد الفصل الأول من الكتاب القضايا التي شغلت الرواية العربية عند ظهورها في الربع الأخير من القرن 19، كاشفا انشغالها بقضايا الهوية سواء كانت الهوية الاجتماعية والوطنية أو الهوية الفنية والجمالية أيضا لجنس الرواية الذي وفد من المجتمعات الأوربية الحديثة.

وتقول شهلا العجيلي أستاذة الأدب العربي الحديث والدراسات الثقافية في الجامعة الأميركية بمدينة مأدبا الأردنية "الرواية العربية تجاوزت الريبة التي قوبلت بها بوصفها من معطيات ثقافة عصر الاستعمار، واستطاعت بجدارة التعبير عن القضايا الوطنية وتطلعات المجتمعات العربية في التحديث والتحرر من الاستبداد".

وبحسب الكتاب، فإن الرواية العربية ورثت عن الأشكال السردية العربية التراثية سعيها إلى تجسيد أفعال التحرر الخلاق، كما ورث كتابها أنماطا من المراوغة السردية وصلت بهم إلى وسائل التعبير الآمن التي مكنتهم من التعبير عن أفكارهم الجذرية.

تلاحظ شهلا العجيلي، المولودة في 1976، أن النمط التشاؤمي الذي طغى على الرواية الغربية خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لم يفرض نفسه على المجتمع العربي في ظل نمو خطاب التحرر الوطني "فقد كان لهذا المجتمع قضاياه التي يستمد منها تفاؤله ويعبر عنها أفراده بالفن والأدب".

ويعكس الإنتاج الروائي العربي خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي هذا الاختلاف في ظل صعود القومية العربية وانكسارها، بحسب الكتاب، حيث تزايد مأزق البطل الوجودي وظهرت روايات ذات طابع مظلم لكنها لم تماثل تماما الرواية الوجودية الأوروبية.

كما يقول الكتاب إن البطل الروائي الوجودي في الرواية العربية ملتزم بقضية اجتماعية أو قومية، وهو أيضا وثيق الصلة بقضايا مجتمعه.

وعلى الرغم من الآلام التي ولدتها نكبة 1948 وإعلان قيام إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، غير أنها أوجدت أدبا للمقاومة لم يستسلم لمناخ التشاؤم، بحسب الناقدة السورية، كما لم تسفر الهزيمة في حرب 1967 عن ميلاد أدب تشاؤمي يميل ناحية "الديستوبيا"، وظل أقرب إلى أدب المراجعات الذي يحاول تقييم التجربة القومية.

وترى شهلا العجيلي، التي وصلت روايتها (سماء قريبة من بيتنا) إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية في 2015-2016، أن هزيمة 1967 غيرت القيم الفنية للرواية العربية، لكنها لم تذهب أبدا ناحية "الديستوبيا"، كما أوجدت معها نموذج "البطل المأزوم" تحت تأثير بعض الأفكار الوجودية التي كانت شائعة آنذاك.

ويشير الكتاب إلى أن الانكسارات والهزائم المتلاحقة في بنية المجتمعات العربية غيرت في طبيعة التعاطي مع هذا الفن، كما غيرت في البنية الجمالية للرواية العربية. وأوضحت شهلاء العجيلي قائلة إن الرواية العربية احتفظت بمهامها التنويرية إلا أنها أصبحت أكثر ظلمة وأكثر قدرة على تعرية الواقع.

وقالت الناقدة السورية "رواية اللجنة للروائي المصري صنع الله إبراهيم التي نشرت في 1981 تعد أول رواية ديستوبيا عربية، لأنها جاءت بعد دخول المجتمع المصري عصر الرأسمالية في ظل سياسات الانفتاح التي أعلنها الرئيس المصري الراحل أنور السادات في 1974".

ويثير الفصل الثاني من الكتاب تساؤلات بشأن إمكانية النظر إلى روايات "اللامعقول" بوصفها تمهيدا لظهور روايات "الديستوبيا" من خلال شيوع نماذج أدب الرعب، أو الروايات ذات النزعة الكابوسية التي تأثرت بالروائي التشيكي فرانز كافكا (1883-1924) والبريطاني جورج أورويل (1903-1950).

وتطرح شهلا العجيلي مظاهر التشابه بين رواية (اللجنة) ورواية (1984) لأورويل.

ورجحت الناقدة السورية أن "الديستوبيا" تحولت إلى ظاهرة في المجتمع العربي مع تعدد النصوص التي حاولت تقديم معالجات جمالية لتعرية الواقع العربي في بعض المجتمعات في ظل التحولات التي أعقبت احتجاجات 2011، وتحولت معها إلى ظاهرة جمالية متكاملة يمكن رصد ملامحها وقيمها الفنية.

وترى شهلا العجيلي أن تعدد نماذج تلك الروايات يعكس استجابة جمالية لعدة شروط ناتجة عن الرغبة في تقويض سلطة النموذج الكتابي المستقر والانفتاح على نماذج من الآداب الغربية  قاربت هذا النمط، بالإضافة إلى الرغبة في تخفيف قبضة الرقابة خلال فترات التحول ورفض الأجيال الجديدة لما هو موروث.