الكوتشي.. من وسيلة نقل حضريّة إلى أداة سياحيّة في مراكش بالمغرب
عربة كوتشي في مدينة مراكش المغربية. السبت، 11 مايو أيار 2024 - المصدر: AWP
  • مراكش

  • الاثنين، ٨ يوليو ٢٠٢٤ في ٥:٥١ ص
    آخر تحديث : الاثنين، ٨ يوليو ٢٠٢٤ في ٨:٠٦ ص

الكوتشي.. من وسيلة نقل حضريّة إلى أداة سياحيّة في مراكش بالمغرب

(وكالة أنباء العالم العربي) - تحرص الإسبانيّة كارمن ألبارادو على زيارة المغرب سنويّا في رحلة سياحيّة، لعشقها الكبير لبعض مدنه، خاصة مدينة مراكش الواقعة جنوب وسط البلاد والتي تصفها بأنّها "تُحفة فنيّة وليست مدينة عاديّة".

وترى كارمن (29 عاما) أنّ تجربة ركوب عربة الكوتشي في المدينة المغربيّة من التجارب التي لا يُمكن لأيّ زائر أن يغفلها؛ فهي بالنسبة لها متعة مميّزة وفريدة من نوعها، حتى إنّها تتصوّر نفسها في فيلم تاريخيّ، وتعطيها هزّات العربة والخيل يجرّها شعورا بالبساطة دون تكلّف.

زارت ألبارادو مراكش ثلاث مرّات حتّى الآن؛ وكانت في كلّ مرة تأتي وحدها وتتعرّف على سيّاح آخرين وتكوّن علاقات جديدة مع مغاربة من المدينة؛ لكنّها أكّدت لوكالة أنباء العالم العربي أنّ شغفها بتكرار تجربة ركوب الكوتْشي في كلّ زيارة مقبلة لم يتغيّر.

الكوتشي، وهي عربة تقليديّة تجرّها الخيول كانت تُستخدم على مدار عقود كوسيلة للتنقّل والجولات السياحيّة في شوارع المدينة العتيقة، أصبحت تعدّ الآن من السمات البارزة الجاذبة للسيّاح والزوّار في مراكش، حيث تأخذ راكبيها إلى حقبة زمنيّة ماضية.

ويفضّل الكثير من السيّاح استخدام هذه العربات في تنقلاتهم داخل مراكش، لأنّها تتيح لهم الاستمتاع بجمال المدينة وإيقاعها الحيوي بتؤدة؛ وهي من وجهة نظرهم وسيلة تنقّل تجمع بين المتعة والتعرّف على الثقافة والتاريخ المحليّيْن.

وسيلة نقل قديمة

وحول تاريخ عربات الكوتشي، قال عبد الجليل كريفة، أستاذ التعليم العالي في جامعة القاضي عياض بمراكش، إنّها كانت وسيلة تنقّل ظهرت أولا في أوروبا نهاية القرن الثامن عشر ثمّ انتقلت إلى شمال أفريقيا، والمغرب تحديدا.

وأوضح كريفة في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) أنّ عربات الكوتشي عُرفت في مدينة مراكش كواحدة من وسائل النقل الأساسيّة خلال القرن العشرين وحتّى ثمانينيّاته، ولم يكُن استعمالها مقصورا فقط على السياحة كما هو الحال الآن.

وأشار إلى أنّه كانت هناك خمس محطّات مركزيّة في المدينة خاصة بتوقف عربات الكوتْشي، أو كما يسمّيها سكّان مراكش "الكْواتْشا" بصيغة الجمع؛ وقال "من بين تلك المحطّات كانت محطّة جامع الفنا، وباب دكالة، وباب تاغزوت، والقصبة، ويوسف بنعلي".

4a834e0c-557e-4a79-ac2d-f0e6625611d6.jpg

عربة كوتشي في مدينة مراكش المغربية. السبت، 11 مايو أيار 2024 - المصدر: AWP

أضاف "هذه العربات كانت تعمل بتسعيرة حافلة النقل الحضري اليوم، وهي تسعيرة واحدة؛ وكان عدد المقاعد بها لا يتعدّى ستّة؛ وكانت تُعتبر آنذاك في نفس مستوى سيّارة الأجرة الصغيرة حاليا، حتى إنه في سبعينيّات القرن الماضي كان عدد الكْواتْشا يفوق عدد سيّارات الأجرة الصغيرة بالمدينة".

وتابع "كلّ من كان يزاول حرفة سياقة عربة الكوتْشي، كان عليه التوفّر على رخصة السياقة الخاصة بها، وتُسمّى عند المراكشيّين البيرمي الكحل أو رخصة السياقة السوداء؛ كما يُستحبّ أن يكون السائق مُلمّا بطريقة التعامل مع الدواب أو الخيول والاعتناء بها وكيفيّة سياقة العربة".

حِرف وفنون

كان تحوّل الكوتشي إلى أداة سياحيّة وترفيهيّة وانتهاء دورها كوسيلة نقل قرينا باختفاء العديد من الحرف نتيجة لتطور الحياة الاقتصادية وظهور وسائل نقل حديثة؛ وتجلى هذا التحول بحسب كريفة في تقلّص عدد محطات توقّف هذه العربات، حيث أصبحت تتوّقف في أماكن أملتها الضرورة السياحيّة.

ووفقا لتقديره، فإنّ عدد عربات الكوتْشي في مراكش يبلغ الآن نحو 100 عربة، مشيرا إلى أنّ النسبة التي تعمل أصبحت مرتبطة أساسا بالحركة السياحيّة في علاقتها بالفنادق والحدائق بالمدينة.

أضاف "حتّى شكل عربات الكوتْشي تغيّر عمّا كانت عليه في السابق وتغيرت زينتها؛ وأصبح تركيز سائقيها كبيرا على بعض اللمسات التي تتماشى مع الدور السياحي الذي تلعبه" حيث تُظهر هذه العربات التصاميم التقليديّة والزخارف التي تعكس الفنون والحرف المغربيّة.

وأشار إلى أنّ بعض الحرف التقليديّة كالنجارة ارتبطت بعربة الكوتْشي، قائلا إنّ حرفة سياقة هذه العربة التقليديّة كانت تحظى أيضا بأهميّة بالغة في مراكش، حيث لم يكن يمتلك تلك العربات سوى أعيان المدينة، وكانت امتيازا أو هبات تعطى للبعض.

حسن لخضر، رئيس الجمعيّة المهنيّة لأرباب وسائقي العربات المجرورة بالخيول في مراكش، يزاول مهنة سياقة العربات المجرورة منذ عام 1992؛ وقد أسّس هذه الجمعيّة عام 2006 وحققت عدّة أهداف من بينها إنشاء سقايات لشرب الخيول وتخصيص أماكن لوقوف الخيل.

وقال في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي "نقوم بالتنسيق بشكلٍ مستمر مع الحراسة الملكيّة وجمعيّة الرفق بالحيوان من أجل إنشاء اسطبل نموذجيّ تتوفّر فيه جميع المعايير الأساسيّة كمكان خاص بفحص الخيول ومتحف تُعرض فيه القطع الأثريّة الخاصة بالعربات والخيول".

أضاف "خلال كلّ فحص يُقام كلّ أربعة أشهر في السنة، يتم اختيار أحسن خيل وأحسن سائق وأحسن عربة في احتفاليّة تحضرها شخصيّات سياسيّة ودبلوماسيّة وأمنيّة ومنتخبون محليّون بالمدينة، وحتّى من خارج المغرب، وتقدّم للعربة وصاحبها جائزة رمزيّة".

تنافس على الزينة

يشير لخضر إلى وجود تنافس كبير بين معظم سائقي عربات الكوتشي على تزيينها والعناية بها، حيث يهتمّ كلّ منهم بشكل كبير جدا بمظهر عربته حتّى يضمن إقبال الزبائن عليه.

وقال "يعتبر سائق الكوتْشي بمراكش بمثابة سفير لبلاده، حيث يتعامل مع السيّاح الأجانب بشكل كبير ومباشر ويعكس صورة البلاد من خلال تعامله... على السائق أن يحرص على الهندام الجميل وأن يطّلع كثيرا على ثقافة وتاريخ المغرب، وبالأخصّ مدينة مراكش، ويكون عارفا بمآثرها التاريخيّة".

ويرى لخضر، الذي يُتقِن العديد من اللغات الأجنبيّة ويتحدّث أيضا باللهجة المصريّة، أنّ حسن التعامل والتواصل مع السيّاح نابع من حبّه للمهنة وغيرته على البلاد، حتى إنّه يعتبر الكوتْشي "مدرسة ثقافيّة وفنيّة على الجميع احترامها".

كانت عربة الكوتشي تلعب أيضا دورا مهمّا في الحياة الاجتماعيّة للمغاربة، حيث كانت تُستخدم في المناسبات الخاصة مثل الأعراس والمهرجانات والاحتفالات.

وبحسب ما أفاد به جمال أبو الهدى، محافظ المباني التاريخية والمواقع الأثرية بمدينة مراكش، فإنّ البريطانيين هم من أدخلوا هذا النوع من العربات إلى المغرب، وخاصة إلى مراكش؛ وكانت تلك العربات خاصة بالعائلة الملكية في بريطانيا وقت أن ظهرت.

وقال أبو الهدى في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن عربات الكوتشي ظهرت في مراكش بالتحديد بداية القرن العشرين، وكانت تتمركز محطّاتها بساحة جامع الفنا كمكان رئيسيّ لها قبل أن تتطوّر لتضمّ المدينة محطتيّ باب دكالة والمصلى خلال الاستقلال.