الجفاف والتصحّر خطران يهدّدان الواحات المغربيّة ويؤثّران على طبيعتها التاريخيّة
واحة آيت بن حدو بورزازات جنوب شرق المغرب
  • طنجة

  • السبت، ٢٠ يوليو ٢٠٢٤ في ٨:٤٧ ص
    آخر تحديث : الاثنين، ٢٢ يوليو ٢٠٢٤ في ٤:٤٣ ص

الجفاف والتصحّر خطران يهدّدان الواحات المغربيّة ويؤثّران على طبيعتها التاريخيّة

(وكالة أنباء العالم العربي) - في سابق عهدٍ، كانت مياه الأودية تنساب نحو أشجار النخيل في واحات المغرب؛ لكنّ الجفاف وندرة المياه وغيرهما من العوامل المناخيّة والجيولوجيّة كزحف الرمال أثرت على طبيعة تلك الواحات وحوّلتها من مورد تجاري إلى وجهات سياحية.

ويرى رئيس (مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث) مصطفى تيليوا أنّ الواحات المغربيّة صارت تواجه استنزافا لمواردها الزراعية، في ظلّ عدم قدرتها على التجدّد نتيجة للإجهاد المائيّ الحاد، على الرغم من اعتماد سكّانها على نُظُم ريّ تقليديّة تُتيح لهم استخدام المياه بفاعليّة في بيئة صحراويّة قاحلة.

وأوضح تيليوا في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) أنّ أشجار النخيل على وجه التحديد تعدّ مصدر رزق أساسيّا لسكّان هذه المناطق الزراعية والسياحيّة المهمّة، ومن بينها واحات درعة وزيز وتافيلالت وفكيك وسكورة ومكون، إلى جانب محاصيل أخرى مثل التمر والحبوب والفواكه.

وقال إنّ واحات النخيل في الجنوب الشرقي للمغرب "تعدّ من أكبر واحات النخيل في العالم، حيث تُثمر فيها أصناف من التمور تثير فضول الأجانب لكثرة تنوّعها" ومن أشهرها تمور المجهول والفكوس وبوسردون والخلط وبوسليخن وبومشار وبوسكري.

أضاف "شجرة النخيل تعتبر مصدر عيش بالنسبة لغالبيّة سكّان الواحة؛ وتشير الإحصائيّات إلى أنّ دخل ما يزيد على مليون نسمة من السكّان تضمنه منتجات النخيل بنسبة تتراوح بين 40-60 في المئة".

ووفقا لرئيس (المركز الدولي للواحات والمناطق الجبلية) عزيز بن طالب، فإنّ الواحات المغربية تشكّل نحو 15% من مساحة المغرب؛ وعلى الرغم من أنّ المساحة الزراعية لا تتعدى الاثنين في المئة، فإنها تضمّ أكثر من مليونيّ نسمة، أي ما يعادل نحو ستة في المئة من سكّان المغرب.

أنظمة ريّ تقليديّة

تعتمد الزراعة في الواحات المغربيّة على أنظمة ريّ تقليديّة، مثل السواقي والأحواض؛ كما تُستخدم المياه الجوفيّة والينابيع لريّ المحاصيل. وقال تيليوا إنّ نظم الري التقليديّة هذه تتيح استغلال المياه بوسائل متعددّة.

وأوضح أن نظام استغلال المياه الشائع في شمال واحات تافيلالت مثلا هو نظام "أكوك" وهي كلمة أمازيغية تعني السدّ. هذا النظام، بحسب وصفه، عبارة عن عدّة سدود تقليديّة صغيرة تُبنى لجمع المياه وتوزيعها عبر السواقي التي تمتدّ انطلاقا من السدود لريّ الحقول، التي تُعرف في المنطقة باسم "الجنانات".

وأشار إلى أنّه في المناطق السُفلى من حوض تافيلالت كثيرا ما تنضب مياه وادي زيز وأغريس "فيضطرّ السكّان إلى جرّ المياه من مسافات بعيدة أو استخراجها من الطبقة المائيّة الجوفيّة.

وقال إنه "بالإضافة إلى نظام استغلال مياه الواديين استغلالا مباشرا، تُوجد أنظمة سقي أخرى بارعة جرت العادة على استعمالها، ومن بينها نظاما أغرور والخطّارات".

وحول تدبير المياه وتوزيعها، أوضح تيليوا أنّه يخضع لقوانين عرفيّة تُعرف باسم "حقّ الماء" وتستند إلى حجم الأشغال التي قام بها كلّ مستخدم خلال بناء الخطّارة؛ ويُقدّر هذا الحجم بوحدات تُسمى كل منها "فردّية" وتعادل 12 ساعة من الريّ يستفيد خلالها المستخدم أو المستخدمون من كل الكميّات التي تمررها الخطّارة.

eeb81f7f-cbbb-4555-a6aa-3f403b0f810b.jpg

واحة درعة جنوب شرق المغرب

تجارة القوافل

يرى تيليوا أنّ "الديناميّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والإشعاع السياسيّ والثقافيّ والدينيّ الذي ميّز تاريخ الواحات بالمغرب" كلّها أمور ترجع إلى علاقات التبادل المثمرة على امتداد الطرق التجاريّة طيلة مرحلة ازدهار تجارة القوافل.

لكنّه قال إنّ طرق التجارة القديمة تلك "تحوّلت في الوقت الحاضر إلى مزارات سياحيّة ذات شهرة عالميّة، وتمّ تعبيد غالبيّتها، حيث عرفت تحوّلات عميقة، لا سيّما على المستوى العمرانيّ".

واعتبر أنّ "البناء غير المراقب وتآكل واحات النخيل بفعل البنايات الجديدة التي تتناسل، نتج عنه تراجع خطير ومقلق للنسيج العمرانيّ التقليديّ والمجال الحيويّ للواحة، وبالتالي تراجُع المنظومات البيئية وتدهورها، وهو ما سيؤثّر حتما على الاقتصاد المحليّ والهويّة والخصوصيّة المجاليّة والثقافيّة والطبيعيّة".

وحذّر من أن ظاهرة التصحّر "التي تكتسح يوما بعد يوم مساحات شاسعة من الأراضي المسقيّة، تُحدّ بشكل كبير من الإمكانات التي توفّرها الموارد المحليّة في سبيل الاستجابة لاحتياجات السكّان، وهي في تزايد كبير ومستمرّ".

وقال أيضا إنّ "تضاعف آلات ضخّ المياه أثّر سلبا على نظام الخطّارات والفرشات المائيّة بشكل عام، بالإضافة إلى كون الفيضانات تعمل كلّ سنة على تعرية وجرف عشرات الهكتارات من الأراضي الخصبة على أجناب الأودية، وبالتالي تحدّ من قيام زراعة على مساحات مهمّة من أجود الأراضي وأكثرها مردوديّة".

ويرى رئيس (مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث) أنّ مناطق الواحات أصبحت تعيش ضعفا إيكولوجيّا (في التوازن البيئي) مؤثرا، الأمر الذي يفرز اختلالات ومشاكل لا حصر لها، منها ما هو طبيعي ماديّ ومنها ما هو سياسيّ واقتصاديّ، وهو ما يشكّل إكراهات قويّة أمام أيّ تنمية شاملة ومستدامة في المنطقة".

ثقافة ذات خصوصيّة

تعد الواحات جزءا مهمّا من التراث الثقافيّ والتاريخيّ للمغرب، وتوفّر مشهدا طبيعيّا خلّابا يجذب السيّاح من أنحاء العالم؛ كما أنها تشتهر بالصناعات المرتبطة بالحرف اليدويّة، مثل النسيج والخزف والحليّ المصنوعة من الفضّة والنحاس والسجّاد، بالإضافة إلى الزرابي التي تُنسج يدويّا وتُعدّ من أبرز منتجات الحرف التقليديّة.

ويرى بن طالب أنّ ثقافة الواحات تشمل "عددا من الحرف اليدويّة والممارسات التي لها علاقة بالطبيعة والممارسات الاجتماعيّة والطقوس وأنماط العيش والتقاليد وأشكال التعبير الشفهيّ، بما في ذلك اللغة كوسيط لنقل التراث".

وأوضح في حديث لوكالة أنباء العالم العربي أنّ الواحات المغربية تحتضن الثقافتين العربيّة والأفريقية بحكم انفتاحها على أفريقيا "وكذلك التراث العبريّ، نظرا لوجود تعايش قديم بين اليهود والمسلمين؛ وبالتالي فثقافة الواحات تساهم في تقوية الهويّة الوطنية".

أضاف "هذه الواحات تزخر أيضا بتراث ثقافيّ طبيعيّ ماديّ وغير ماديّ متنوع، وهو نتاج لتاريخ عريق يعبّر عن عمق الذاكرة الجماعية متعدّدة الروافد... ثقافة الواحات بالمغرب، تعكس تاريخا طويلا من التكيّف مع البيئة الصحراوية كذلك".

وأوضح أنّ التراث المادي يتمثّل في "القصور والقصبات" بينما يتمثّل التراث اللاماديّ في "تدبير الندرة، خاصّة فيما يتعلّق بثقافة الماء، بالإضافة إلى خلق منظومة معماريّة غنيّة للتراث اللامادي في أشكال البناء ونمط الزخرفة الحامل لعدّة دلالات تاريخيّة أنثروبولوجيّة".

وأشار إلى أنّ المنازل التقليديّة في الواحات تُبنى عادة من طوب يساعد على العزل الحراري، مما يحافظ على برودة المنازل في الصيف ودفئها في الشتاء.

وذكر أنّ الواحات "لعبت دورا جدّ مهم في تاريخ المغرب، أهمّه احتضان الدولة العلوية في تافيلالت؛ كما أنّها كانت تتحكّم في طرق القوافل التجاريّة الصحراويّة.... وبالتالي، فإنّ الواحات هي صلب العلاقات التجارية والثقافية بين الحضارات المختلفة"، بحسب وصفه.