الحرب المفتوحة تطل برأسها على ساحة المواجهة بين إسرائيل وحزب الله بعد استهداف ضاحية بيروت الجنوبية
(وكالة أنباء العالم العربي) - يبدو أن مسار المواجهة بين جماعة حزب الله اللبنانية والجيش الإسرائيلي قد أخذ منحى مختلفا عن المناوشات العسكرية المعتادة التي بدأت عقب اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، بعدما استهدفت إسرائيل ضاحية بيروت الجنوبية الثلاثاء.
ويخشى البعض من تزايد احتمالات اندلاع حرب مفتوحة وشاملة بعد الهجوم على الضاحية، على الرغم من المساعي المبذولة لاحتواء رد حزب الله عليه، وخاصة في ضوء اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في إيران.
أكد الجيش الإسرائيلي الثلاثاء أنه قتل فؤاد شكر القيادي في جماعة حزب الله خلال غارته على الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث وصفه الجيش بأنه "القيادي العسكري الأبرز ورئيس المنظومة الاستراتيجية للتنظيم".
على الجانب الآخر، أصدرت العلاقات الإعلامية لجماعة حزب الله اليوم بيانا أوضحت فيه أن شكر كان موجودا في المبنى الذي استهدفته الغارة الإسرائيلية على الضاحية.
وأشار البيان إلى أن "فرق الدفاع المدني تعمل منذ وقوع الحادثة على رفع الأنقاض بشكل حثيث ولكن ببطء.. وما زلنا حتى الآن بانتظار النتيجة التي سيصل إليها المعنيون في هذه العملية فيما يتعلق بمصير القائد الكبير.. ليبنى على الشيء مقتضاه".
بدوره، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي اليوم إن التطورات الأمنية التي وقعت مساء أمس "نقلت الوضع من حالة الاشتباك إلى وضعية الخطر المفتوح على مخاوف كبيرة من خلال استهداف العاصمة باعتداء إسرائيلي".
وأضاف ميقاتي خلال جلسة استثنائية لمجلس الوزراء في بيروت "ندعو العالم الشاهد على جرائم إسرائيل إلى إجبارها على وقف إطلاق النار والالتزام بالقرارات والقوانين الدولية وعلى تنفيذ القرار 1701"، في إشارة إلى قرار مجلس الأمن الذي أنهى حربا بين حزب الله وإسرائيل عام 2006.
وأفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام اليوم بأن عدد قتلى الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت بلغ أربعة قتلى، هم امرأتان وطفلان.
مفترق خطير
يقول النائب علي عسيران، عضو كتلة التنمية والتحرير النيابية، إن إسرائيل "تخطت الخطوط الحمراء، وهي بعدوانها إنما تضع المنطقة على فوهة بركان من الحرب الإقليمية"، معتبرا أن ضاحية بيروت الجنوبية لها رمزية ووصفها بأنها "خزان المقاومة والبيئة الحاضنة لها".
وحذر عسيران في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) من أن "المنطقة ونتيجة القتل الإسرائيلي في غزة ولبنان وطهران والعراق إنما هي على مفترق منعطف خطير، وتمر بمرحلة دقيقة وصعبة للغاية".
واعتبر أن إسرائيل "في وضع مأزوم وتريد تصدير أزمتها إلى الخارج وتقصف بيروت"، واتهمها بأنها "تغتال العدالة الإنسانية والأعراف والقرارات الدولية لا سيما القرار 1701".
يرى النائب اللبناني أيضا أن "اليمين الإسرائيلي يأخذ إسرائيل إلى الدمار"، مشددا على أن الحرب الإقليمية الكبرى "ستأخذ المنطقة إلى مزيد من الدمار والقتل".
تتساءل أستاذة القانون الدولي نتالي صايغ عن دور الولايات المتحدة في الأيام السابقة، وتحديدا اتصالات "الطمأنة" التي تلقتها الحكومة اللبنانية من المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين.
وقالت لوكالة أنباء العالم العربي "كل الأجواء التي أشيعت بعد مقتل الأطفال في مجدل شمس (كانت تشير إلى) أن الضربة الإسرائيلية حتمية ولكن لا تطال الضاحية الجنوبية والمدنيين.. لكن ما حدث هو العكس تماما".
ويوم السبت الماضي، لقي 12 شخصا حتفهم وأصيب آخرون بجروح إثر سقوط صاروخ قالت إسرائيل إنه أطلق من لبنان على مجدل شمس في مرتفعات الجولان، واتهمت إسرائيل حزب الله بالمسؤولية عنه وهو ما نفته الجماعة.
تقول أستاذة القانون الدولي "هل سيبقى هوكستين وسيطا مقبولا من قبل حزب الله والدولة اللبنانية بعد العدوان على الضاحية الجنوبية؟ كيف سيُعاد بناء الثقة بين الأطراف وهو الذي لم يتمكن من إيصال الرسالة وتهدئة الأوضاع بشكل أمين؟".
كما تعتبر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تلقى الضوء الأخضر من الإدارة الأميركية بعد زيارته الأسبوع الماضي لواشنطن التي ألقى فيها خطابا أمام الكونغرس الأميركي.
وتشير نتالي إلى أنه خلال ساعات "اغتيل هنية في طهران واستهدف القيادي في حزب الله فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية لبيروت، وقُصف الحشد الشعبي في العراق".
وأضافت أن هذه التطورات "لا يمكن فصلها عن سياق متصل من التعاون الأميركي الإسرائيلي في نقل المعركة إلى مستوى آخر"، وقالت إن نتنياهو "أراد خلق مشهد المنتصر أمام شعبه ولم يكن ليتحقق ذلك دون توجيه ضربات عسكرية قاسية خارج الحدود".
ترى الأستاذة الجامعية أن "الصراع وصل إلى مرحلة الذروة، وفي النزاعات الدولية هذه اللحظة قد تكون مدخلا لإعادة ضبط الأمور والتهدئة أو ستُفتح مواجهة مختلفة وأكثر دموية".
حرب مفتوحة
يقول أحمد سالم العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني إن كل المقربين من حزب الله يُنقل عنهم أن "قيادة الحزب هي خارج النقاش السياسي حاليا".
وأبلغ سالم وكالة أنباء العالم العربي قائلا "الأيام السابقة كانت الدولة اللبنانية تتلقى تطمينات، بينما كان حزب الله يتخذ الاستعدادات للعدوان الإسرائيلي".
وأوضح أن "الاتصالات الدبلوماسية لم تكن بهدف منع الضربة الإسرائيلية، إنما لاحتواء رد حزب الله عليها، والحزب لم يقدم جوابا واضحا بالنفي أو التأكيد وموقفه الدائم أن الأمر للميدان".
وتابع "توقيت رد حزب الله مرتبط بالميدان العسكري وبالتطورات السياسية، وخاصة بعد اغتيال إسماعيل هنية، فالأمر لم يعتد مقتصر على الجبهة الجنوبية إنما توسع على كافة حلفاء إيران".
ينوه الخبير العسكري أيضا بأنه قبل يوم من استهداف القيادي في حزب الله، شاهد سكان الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية طائرات مسيّرة تحلق على علو متوسط.
ويقول "إسرائيل جندت كل إمكانياتها خلال الأشهر العشرة الماضية لاغتيال قيادات ميدانية وبمواقع عسكرية حساسة لدى حزب الله، وهو ما يتطلب رصدا إلكترونيا وأقمارا اصطناعية، والأخطر عملاء على الأرض".
ولفت إلى أنه في أكتوبر تشرين الأول الماضي وصف حزب الله تدخله العسكري بأنه "جبهة إسناد لغزة وليس جبهة حرب مفتوحة"، لكنه تساءل قائلا "هل ستبقى هذه الجبهة ضمن هذا التوصيف أما قد نشهد أياما قتالية ومواجهات مباشرة مع القوات الإسرائيلية؟".
يرى العقيد السابق أن "المعادلة التي أعلنها سابقا الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هي ‘تل أبيب مقابل الضاحية‘، وفي حال نُفذت هذه المعادلة تكون احتمالات الحرب المفتوحة والشاملة ارتفعت خطوة إضافية".
وأردف بالقول "حين قصف الحوثيون تل أبيب بمسيرة استهدفت مبنى واحدا، ردت عليهم إسرائيل بقصف ميناء الحديدة اليمني، فكيف بحال قصف حزب الله بصاروخ دقيق مركزا أمنيا فيها؟".
في ختام حديثه، يؤكد العقيد المتقاعد على أن الثمن الوحيد الذي قد يقبل فيه حزب الله، وحتى إيران، بعدم الرد هو إيقاف الحرب على قطاع غزة، غير أنه اعتبر هذا الأمر مستبعدا بعد اغتيال هنية.
قُتل رئيس المكتب السياسي لحماس في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء بمقر إقامته في طهران، حيث كان يحضر مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، وهو ما أثار أصداء واسعة وإدانات عديدة من داخل العالم العربي وخارجه وتعهدات من الفصائل بمواصلة "المقاومة".