الحنطور يقاوم الاندثار في مصر رغم العائد المنخفض وضعف التنظيم
(وكالة أنباء العالم العربي) - بحزن وقلق، يترقب مصطفى قرب انتهاء فصل الصيف؛ فعادة، يشهد هذا الفصل إقبالا على ركوب عربات الحنطور، التي يملك واحدة منها، تصطف إلى جوار مثيلاتها أمام قلعة قايتباي بمدينة الإسكندرية المصرية المطلة على ساحل البحر المتوسط.
وتعد المدينة الساحلية جاذبة لأعداد كبيرة من المصطافين المصريين خلال فصل الصيف، حيث يتوافدون إليها هربا من ارتفاع درجات الحرارة في العاصمة والمدن الأخرى، وللاستمتاع بأجواء الشاطئ.
لكن مصطفى ورفاق المهنة من أصحاب عربات الحنطور في الإسكندرية يعانون طوال فترة الشتاء من قلة الإقبال، حيث يعتمدون في تلك الفترة بشكل كبير على السائحين الأجانب فقط، والذين لا تتجاوز أعدادهم الفوج السياحي الواحد كل شهر أو اثنين.
وقال مصطفى في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي (AWP) "العديد من العاملين في هذه المهنة تركوها خلال السنوات الماضية بسبب قلة أعداد السائحين وقت انتشار فيروس كورونا وارتفاع أسعار الأعلاف، خاصة خلال العام الماضي، ما جعل تربية الأحصنة مكلفة للغاية".
وكان الحنطور وسيلة انتقال رئيسية في مصر حتى ثلاثينيات القرن الماضي؛ لكن تلك العربات بدأت أعدادها في الانخفاض تدريجيا، ولم يتبق منها سوى بضع مئات على مستوى البلاد، تتركز في المناطق السياحية.
وحاليا، تجذب هذه العربات المصريين والسائحين الأجانب للقيام برحلات تنزه، يستمتعون خلالها بمشاهدة أهم المعالم في المناطق السياحية، خاصة القاهرة والإسكندرية والأقصر وأسوان.
وعلى الرغم من أن مهنة العربجي، الذي يقود الحنطور، توشك على الاندثار، فإن مصطفى يتمسك بهذه المهنة التي ورثها عن أجداده. لكنه يقول إنه لا ينوي أن يورثها لأولاده، ليكون آخر عربجي في العائلة، إذ يرى أن دخل المهنة أصبح قليلا "ونظرة الناس إليها أصبحت متدنية".
لم يكمل مصطفى تعليمه؛ لكنه يستطيع التحدث بأكثر من لغة بسبب تعامله مع السائحين. ويقول "نتعامل مع خواجات (أجانب) منذ عشرات السنين؛ ومع كثرة الاحتكاك، تعلمت لغاتهم، وهذا يساعدني في تلبية مطالبهم والإجابة عن أسئلتهم".
سوء تنظيم
ويرى سائق الحنطور المخضرم أن سبب تردي وضع هذه المهنة هو سوء التنظيم وعدم الاهتمام بها من الجهات المعنية. ويقول "لدينا رخص منذ عشرات السنوات، ونقوم بتجديدها سنويا من هيئة ميناء الإسكندرية؛ لكن لا يستطيع أحد استخراج رخص جديدة".
وفي ظل عدم وجود هيئة تنظّم عمل عربات الحنطور داخل المدن أو في المناطق السياحية، تتفاوت أسعار ركوب هذه العربات؛ لكن مصطفى يرفض فرض تسعيرة معينة على زبائنه، تاركا الأمر لتقديرهم بحسب قوله.
ويقول "الحنطور يركبه الملوك من أيام الفراعنة، لا يمكن تحديد سعر لركوبه. السائحون يبحثون عن الحنطور بمجرد الخروج من الميناء".
أما رمضان الجنّ (50 عاما)، الذي ورث أيضا هذه المهنة عن والده، فيرى أن سبب حالة الركود التي يعاني منها أصحاب عربات الحنطور، خاصة في فصل الشتاء، هو عزوف الكثير من الأسر عن ركوب هذه العربات.
وقال لوكالة أنباء العالم العربي "موسم الصيف هذا (الإقبال) أقل بكثير من المواسم السابقة؛ ركوب الحنطور رفاهية تتجاهلها الأسر مع غلاء الأسعار... أعتمد خلال الشتاء على ما أدّخره خلال موسم الصيف، لكنه لن يكفي".
أضاف "في كثير من الأحيان، أقترض من بعض الأصدقاء والأقارب لشراء الطعام للأطفال وللحصان... خلال الشتاء، كل شهر أو شهرين، ممكن أن يأتيك مركب سائحين؛ أذهب إلى الميناء لمعرفة مواعيد وصول المراكب السياحية".
غير أنه هو الآخر يشكو ما يصفه بإهمال الحكومة أصحاب عربات الحنطور، رغم أهميتها من وجهة نظره للسياحة. ويقول "أول شيء يسأل عنه السائح فور النزول من المركب هو الحنطور... نحن نجعله يشاهد الإسكندرية بشكل مختلف لا يمكن أن ينساه".
ويرى إيهاب عبد الله، الخبير في مجال السياحة، أن عدم وجود هيئة لتنظيم عمل عربات الحنطور "حولها من وسيلة هامة لجذب السياحة إلى وسيلة تشوه صورة السياحة في مصر، بسبب مخلفات الحيوانات والروائح الكريهة التي تسببها".
وقال عبد الله لوكالة أنباء العالم العربي "دائما ما تكون هناك مشاجرات بين العربجية أمام السائحين للحصول على الزبائن، ما يتسبب في مضايقات للسياح وينقل صورة سلبية عن إدارة البلاد للمنشآت والمناطق السياحية".
أضاف "عربة الحنطور قديما كان لها موقف مخصص، وشخص مسئول عنها؛ لكن مع مرور الوقت، تدهورت المهنة وأصبحت بلا ضوابط".
وأوضح عبد الله أن هناك شركات سياحة تتفق مع أصحاب عربات الحنطور لتنظيم رحلات للسائحين؛ لكنه قال إنه على الرغم من اقتصار عمل عربات الحنطور على المناطق السياحية، فإن وزارة السياحة "ليست لها علاقة بهذه العربات من حيث التنظيم أو إصدار التراخيص، أو حتى معاقبة المخالفين".
وأكد ضرورة إخضاع أصحاب عربات الحنطور لدورات لتأهليهم وتدريبهم على طرق التعامل مع السائحين، بالإضافة إلى إنشاء هيئة تابعة لوزارة السياحة للإشراف عليهم.
إحدى عربات الحنطور بمدينة الإسكندرية المصرية المطلة على ساحل البحر المتوسط. الثلاثاء
التراخيص
ألزمت تعديلات على قانون المرور أصحاب عربات الحنطور بالحصول على ترخيص من إدارات المرور وتركيب لوحات معدنية تحمل أرقام الترخيص. وأقر هذه التعديلات وزير الداخلية المصري.
وقال اللواء مدحت قريطم، مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع الشرطة المتخصصة، قال لوكالة أنباء العالم العربي "هناك مادة تنظم عربات الحنطور في قانون المرور؛ لكنها غير مفعلة منذ سنوات طويلة".
وأرجع قريطم حالة الفوضى في عمل عربات الحنطور إلى عدم الالتزام بهذه المادة من جانب أصحاب العربات، قائلا "لابد من تشديد الرقابة على تراخيص عربات الحنطور، والتأكد من هوية قائديها، نظرا لأن ركابها من السائحين".
وكانت الإدارات المحلية من الجهات المنوط بها منح التراخيص لعربات الحنطور؛ لكن مع انخفاض الأعداد، توقفت هذه الإدارات عن منح هذه التراخيص.
وفي عام 2018، أصدر كمال الدالي، محافظ الجيزة وقتها، قرارا بتشكيل لجنة في المحافظة لإصدار التراخيص لعربات الحنطور والدواب التي تعمل في المناطق الأثرية.
وأكد محمد، وهو صاحب عربة حنطور تعمل في منطقة الأهرامات بالجيزة، أنه يستخرج ترخيص عربته سنويا من لجنة ترخيص الدواب بالمحافظة.
وقال لوكالة أنباء العالم العربي إن "تكلفة الترخيص لا تتجاوز 300 جنيه سنويا، ويتم تحديد المنطقة التي يعمل بها صاحب عربات الحنطور".
أضاف أن شرطة السياحة في منطقة الأهرامات تراقب عمل أصحاب عربات الحنطور وفي حالة ارتكاب مخالفة، سواء برفع الأسعار أو مضايقة السائحين، يتم منع عربة الحنطور من دخول الأهرامات.