الأمطار تكشف أزمة غياب نظام للصرف في العاصمة الموريتانية
(وكالة أنباء العالم العربي) - ببطء وحذر، يضع أمبارك آخر متاع من منزله الذي تحاصره المياه في شاحنة صغيرة استعدادا لنزوح مؤقت بعد أن حولت الأمطار الغزيرة التي هطلت على العاصمة الموريتانية نواكشوط الأسبوع الماضي منزله إلى بركة مياه كبيرة.
ويقول أمبارك وهو ينظر بحسرة إلى منزله المحاصر بالمياه "في كل موسم أمطار نضطر إلى مغادرة منزلنا لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر. نحاول التأقلم مع الظروف الصعبة بعيدا عن بيتنا، ونعود لنجد ما خلفته الأمطار من دمار".
يشكل موسم الأمطار كابوسا لسكان نواكشوط، حيث يعاني كثيرون عدم وجود نظام فعال للصرف، وتسببت أمطار الأسبوع الماضي في محاصرة العديد من الأسواق والأحياء بالمياه، مما أدى إلى شل الحركة وتعطيل الحياة اليومية.
ويعيش سكان المناطق المتضررة في خوف دائم من الأمطار التي تجلب معها معاناة جديدة في كل مرة.
وتقول فاطمة التي تقطن في حي تيارت شمال نواكشوط إنها تعيش في رعب مع كل هطول للأمطار خوفا من أن تجتاح المياه منزلها.
وأضافت فاطمة في حديثها إلى وكالة أنباء العالم العربي (AWP) أن المياه تسربت إلى منزلها بعد موجة الأمطار الأخيرة في غياب نظام للصرف، واضطرت إلى شفط المياه بنفسها.
وفي منطقة دار النعيم، وهي واحدة من أكثر المناطق تضررا في نواكشوط، أدت الأمطار التي هطلت في السنوات القليلة الماضية إلى غمر العديد من المنازل بالمياه، مما جعلها تبدو كأطياف مهجورة.
وفي حي كان يوما مليئا بالحياة، تبدو المنازل أطلالا، غمرتها المياه حتى أصبحت كتلا متلاصقة من الطين، أبوابها المفتوحة تكشف عن الداخل المليء بالركام، بينما تبرز جوانب من الأثاث المغمور تحت المياه.
وفي الشوارع، تبدو الحياة متوقفة، ويخيم هدوء شديد على المكان، يقطعه فقط صوت المياه المتسربة من الحواف المتآكلة.
ووصف اسلكو ولد ابراهيم، وهو أحد سكان الحي، الحالة بقوله "الأحياء هنا تحولت إلى أشباح، هجرنا المنازل بسبب المياه التي اجتاحت كل شيء. لم يعد بالإمكان العيش هنا، والأضرار التي لحقت بالمنازل كبيرة".
وفاقمت الأمطار الأخيرة من معاناة سكان حي دار النعيم، وقال ولد إبراهيم إنها جعلت العودة إلى بيوتهم مستحيلة.
الأحياء التي كانت يوما مزدهرة بالحركة والنشاط أصبحت الآن خالية. الشوارع التي كانت تعج بالناس غمرتها المياه حتى أصبحت غير صالحة للمشي، أما المنازل التي كانت تحتضن العائلات فتحولت إلى أطلال، وترك السكان بيوتهم بحثا عن مأوى في أماكن أخرى.
وقال المستشار البلدي محمد ولد المرابط إن الأمطار الغزيرة التي شهدتها نواكشوط في السنوات الأخيرة أجبرت العديد من سكان دار النعيم على النزوح من منازلهم.
وأضاف ولد المرابط أن بلدية دار النعيم سبق أن أطلقت نداءات متكررة تطالب بإنشاء نظام فعال للصرف لمعالجة أزمة المياه الراكدة والمستنقعات في الأحياء، مضيفا أن الوضع الحالي يعكس الحاجة إلى حلول جذرية.
وتابع قائلا "المياه الراكدة لا تؤثر فقط على جودة الحياة، بل تشكل أيضا تهديدا للصحة العامة، مما يستدعي استجابة عاجلة من الجهات المعنية لحل هذه المشكلة".
ويبرز المشهد في دار النعيم حجم الأزمة التي تواجهها نواكشوط في غياب نظام للصرف، في مدينة يقطنها 1.5 مليون.
مشكلة متجذرة
مشكلة الصرف في نواكشوط متجذرة، وتتفاقم مع موسم الأمطار على الرغم من محاولات الحكومات المتعاقبة لحلها عبر شفط المياه. غير أنها حلول مؤقتة ولا تكفي لتجاوز الأزمة.
وقال مدير المكتب الوطني للصرف الصحي أحمد زيدان ولد محمد محمود في تصريحات صحفية سابقة إن نواكشوط لا يوجد بها نظام مكتمل للصرف حتى الآن.
وأعلنت الحكومة الموريتانية في وقت سابق أنها بحاجة إلى 450 مليون دولار لإنشاء منظومة للصرف في نواكشوط.
ويرى جكانا عبد الله المتخصص في أنظمة الصرف إن غياب نظام للصرف في نواكشوط هو أحد الأسباب الرئيسية للأزمات التي تعانيها المدينة خلال موسم الأمطار.
وأضاف "غياب البنية التحتية المناسبة للصرف الصحي يتسبب في تراكم المياه والمستنقعات، ويؤدي إلى تفاقم الأوضاع في الأحياء المتضررة"، مشيرا إلى الحاجة لاستثمارات ضخمة من أجل تطوير نظام للصرف في العاصمة الموريتانية.
وتابع قائلا "من الضروري أن تتخذ السلطات خطوات عاجلة لإنشاء البنية التحتية للصرف الصحي لتفادي المزيد من الأضرار ولضمان سلامة وصحة المواطنين".