22 فيلما حول حرب غزة في افتتاح مهرجان القدس السينمائي الثامن بمخيم نازحين في دير البلح
نازحون فلسطينيون يحضرون افتتاح مهرجان القدس السينمائي في أحد مخيمات النزوح بين المنازل المدمرة في دير البلح بوسط قطاع غزة (25 يوليو تموز 2024)
  • دير البلح

  • الجمعة، ٢٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٨:٤٨ ص
    آخر تحديث : الجمعة، ٢٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٨:٤٨ ص

22 فيلما حول حرب غزة في افتتاح مهرجان القدس السينمائي الثامن بمخيم نازحين في دير البلح

(وكالة أنباء العالم العربي) - تتابع الفلسطينية ناهد أبو سالم بشغف وتركيز أول عروض مهرجان القدس السينمائي في دورته الثامنة الاستثنائية الذي افتتح أمس الخميس في مخيم للنازحين بدير البلح في وسط قطاع غزة، بعد تدمير الجيش الإسرائيلي للقاعات الكبيرة والأماكن الأخرى التي كانت تخصص لعرض الأفلام في القطاع.

تجلس ناهد على مقعد صغير من البلاستيك وخلفها خيمتها وأمامها شاشة عرض صغيرة مثبتة بأسياخ حديدية لأعمدة منزل دُمر في قصف إسرائيلي بالقرب من المخيم، بينما تتزاحم نساء أخريات وأطفالهن الذين يجلسون على ركام المنزل، للاقتراب أكثر من شاشة العرض لعلهم يحظون برؤية أفضل.

تشارك ناهد، التي تجاوزت 60 عاما بقليل، لأول مرة في افتتاح مهرجان سينمائي ولكن في أوضاع غير طبيعية، حيث يحيط الركام بالمكان وتتكدس الخيام حول مكان العرض المفتوح، بينما تسيطر ملامح الحزن والبؤس على وجوه النازحين الفلسطينيين الذين يفرون من مكان إلى آخر بحثا عن الأمان.

656696a6-487d-44a2-84b5-ddad20aa29b2.jpg

الفلسطينية ناهد أبو سالم (يمين) في افتتاح مهرجان القدس السينمائي المقام في أحد مخيمات النزوح بين المنازل المدمرة في دير البلح بوسط قطاع غزة (25 يوليو تموز 2024) - المصدر: AWP

وبينما تعبر ناهد، التي نزحت من بيت لاهيا في شمال قطاع غزة قبل ثمانية أشهر، عن سعادتها بمشاهدة قطع من القماش الأحمر مفروش من مدخل مخيم النازحين مخترقا صفوف الخيام قبل وصوله إلى مكان العرض لمرور الضيوف عليه، فإنها تصف إقامة المهرجان بهذا المكان بأنه "فكرة إبداعية جديدة تحمل رسائل إنسانية كثيرة للعالم حول الشعب الفلسطيني المظلوم والتواق للحياة والسلام".

تشير ناهد، التي يعتبرها النازحون "كبيرة المخيم" وأفسحوا لها طريق الدخول بعد أن جلبوا لها مقعدا تعبيرا عن احترامهم، إلى أنها كانت تنتظر وبقية النازحين إقامة المهرجان منذ أيام، مؤكدة أن الجميع رحب بالفكرة وأبدى استعداده لتذليل العقبات أمام إنجاحها، سواء عن طريق تنظيف المكان أو دعوة النازحين للحضور وغير ذلك.

وقالت ناهد لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) في وصفها لما شاهدته "(المهرجان) جديد وممتع لي وللنازحين، فهم لأول مرة في حياتهم يشاهدون أفلاما ومخرجين فلسطينيين"، معتبرة أن أوضاع الحرب لم تمنعهم من اختراق جدار اليأس ولو لبعض الوقت.

وأضافت "شاهدت بعض الأفلام المعروضة التي تعبر عن الحرب والنزوح والموت وتفاصيل حياتنا المؤلمة، لكنها على أهميتها تمثل جزءا يسيرا جدا من الجحيم الذي نعيشه".

e37b165e-5631-46d8-9123-ecb64b65bf03.jpg

استبدال السجادة الحمراء بقطع من القماش الأحمر في افتتاح مهرجان القدس السينمائي بأحد مخيمات النزوح بين المنازل المدمرة في دير البلح بوسط قطاع غزة (25 يوليو تموز 2024) - المصدر: AWP

وتابعت قائلة "محاولات مهمة لكننا بحاجة إلى أفلام لا نهاية لها حتى تجسد واقعنا الذي تجاوز حدود احتمال البشر، القصة أكبر من قصف وحرب ودمار وقتل ونزوح وتهجير، الواقع أننا أموات يمشون على أقدامهم فقط".

ولم يمنع انطلاق المهرجان وسط الركام والخيام من الالتزام بالبرتوكول التقليدي لانعقاده مع بعض البدائل المتوفرة في غياب الكثير من الاحتياجات لظروف الحرب، فاستبدلت القاعات المعتادة بعروض في الهواء الطلق، والسجاد الأحمر بقطع قماش من اللون نفسه، وشاشة العرض الضخمة بشاشة تلفزيونية صغيرة.

بدأ الافتتاح بإلقاء فتاتين ترتديان الثوب الفلسطيني المطرز كلمات ترحيبية بالمشاركين غلبت عليها الروح الوطنية والعبارات التي تؤكد على الحق الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، فضلا عن رسالة إنسانية حول الإصرار على الحياة وحب الفن.

تضمنت المقدمة التي قدمتها الفتاتان باللغة العربية ولغات أجنبية أخرى أشعارا وطنية وعبارات فلسطينية مأثورة عن حب الوطن والتوق للحرية، قبل أن يلقي وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف كلمة عن طريق الفيديو عبر فيها عن دعمه للفعاليات الثقافية التي تقام في ظل "الإبادة الجماعية في غزة".

وأوضح رئيس المهرجان عز الدين شلح قائلا إن 22 من صانعي الأفلام الفلسطينيين من غزة شاركوا في المهرجان ضمن مشروع (من المسافة صفر) الذي يشرف عليه المخرج رشيد مشهراوي "ليحشدوا كل ما عايشوه خلال أشهر الحرب عبر... أفلام وثائقية باعتبارهم يعيشون بمسافة صفر من كل تفاصيل الحرب".

08c78990-c11d-4231-b6e5-692df29d29bd.jpg

نازحون فلسطينيون يحضرون افتتاح مهرجان القدس السينمائي في أحد مخيمات النزوح بين المنازل المدمرة في دير البلح بوسط قطاع غزة يشاهدون كلمة عبر الفيديو من وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف (25 يوليو تموز 2024) - المصدر: AWP

وتستمر عروض المهرجان لخمسة أيام في أماكن مختلفة "لتمنح النازحين فرصة مشاهدة واقعهم بطريقة مختلفة شكلا وإن كانت متفقة مضمونا"، بحسب شلح، الذي يعتبر أن السينما تختلف عن الأخبار والإعلام ولديها تأثيرات متعددة.

وقال شلح "الأفلام المشاركة تمثل وثائق تاريخية للعالم أجمع حول ما يجري من إبادة جماعية أو أكبر من ذلك، المخرجون المحترفون أو أولئك الذين يشقون طريقهم برعوا في التعبير عن جوانب متعددة من الحرب وإن كانت يسيرة، لكنها مؤثرة للغاية".

وأضاف " السينما تعني حياة، ونحن نتحدث عن حياة في ظل الموت المحيط بنا من كل الجوانب، نريد هزيمة الموت بالسينما وإرسال رسالة إنسانية بأننا بشر ومن حقنا الحياة، بإنسانيتنا نتحدى كل ما هو لا إنساني".

وعُرض في يوم الافتتاح 11 فيلما من أصل 22 ستعرض في أماكن مختلفة من قطاع غزة حتى يوم الاثنين القادم، وتحمل الأفلام عناوين متعددة تعكس جانبا من الحياة تحت الحرب.

ويشكل الفيلم الوثائقي "قربان" للمخرج الفلسطيني مصطفى النبيه نموذجا لتجربة تعكس جانبا من بؤس الحياة في ظل الحرب، عبر تجسيد جانب منها بما يشمل مراحل النزوح والازدحام في الشوارع وطوابير الماء والخوف من القصف، فضلا عن الرغبة في الحياة والبحث عن الأمان والفرار من أجل ذلك.

39843865-cfa7-4214-a042-ac873980a6c1.jpg

المخرج الفلسطيني مصطفى النبيه صاحب الفيلم الوثائقي "قربان" في افتتاح مهرجان القدس السينمائي المقام في الهواء المطلق بأحد مخيمات النزوح في دير البلح بوسط قطاع غزة (25 يوليو تموز 2024) - المصدر: AWP

ويجسد الفيلم الانتقال من معالم الحضارة إلى الحياة البدائية من خيام وحطب وأفران الطين وعربات تجرها الحيوانات، مع انقطاع الكهرباء والاتصالات وتدمير البنية التحتية، بحسب المخرج النبيه، الذي قال إن فيلمه "يعبر عن تضحية العالم بالفلسطينيين كقرابين لآلهتهم المسماة بإسرائيل".

وأوضح المخرج الفلسطيني قائلا إنه لجأ في فيلمه إلى الشكل الوثائقي تقنيا مع اعتماده على البناء الروائي، لتجسيد الانتقال من بوابة الحضارة إلى بوابة الجحيم، على حد قوله، فضلا عن التعبير عن تجربة إنسانية هدفها الانتصار للحياة.

وبينما أقر بأن الأفلام المعروضة في المهرجان وكل الجهود السينمائية والفنية لا يمكنها التعبير عما يحدث في غزة، فإنه اعتبر أن كل ما ينتج عبارة عن جهود لتأكيد السردية الفلسطينية أمام العالم وضحد الادعاءات الإسرائيلية.

وحول تحديات صناعة الأفلام في ظل الحرب، يقول النبيه "الناس تنشغل في توفير الطعام والماء لعائلاتها، ونحن إلى جانب ذلك كنا نصنع أفلاما نخاطب العالم بها عن نكبتنا الجديدة".

وأضاف "السينما رسالة حياة، مجرد إنتاج هذه الأفلام وعرضها وتنظيم المهرجان رسالة انتصار على الموت، رغم أننا أجساد تتحرك فقط دون حياة".