في الوسط القديم للعاصمة الأردنية عمان، بعيدا عن البنايات الحديثة والأبراج الشاهقة، تتربع على الجبال بيوت تأسر الناظرين بحجارتها العتيقة وأبوابها المفتوحة للسياح والزائرين حيث تشكل لهم فرصة العودة بالزمن واستحضار ذكريات أصحابها.
ومن قلب جبل اللويبدة، أحد الأحياء القديمة في وسط عمان، توجد بيوت ذات طابع قديم تحول بعضها إلى مزار يرتاده السياح والمواطنون، بينما تحول بعضها الآخر إلى مطعم أو مقهى مع الحفاظ على الطابع القديم للبيت.
وفي أحد بيوت جبل اللويبدة القديمة، الذي يعود تاريخ تشييده إلى العام 1898، يوجد مطعم للمأكولات العربية. وتعاقبت على البيت عائلات عدة إلى أن سكنته سيدة اشتهرت برائحة طعامها الشهي في ثلاثينيات القرن الماضي، وورث البيت أولادها ثم أحفادها الذين استلهموا فكرة إنشاء المطعم من وحي حياة الجدة، وما زال القائمون عليه يستخدمون ذات التوابل التي كانت تستخدمها الجدة قديما ويعدون الأطباق في منزلها بعد أكثر من 90 عاما.
ويمكن للزوار والسياح التجول داخل البيت الذي ما زال يحافظ على الأثاث القديم وحتى ملابس الجدة، كما يمكنهم دخول المطبخ المفتوح على قاعة الطعام والمشاركة في إعداد وتنظيم الموائد، ويقدم المطعم طبقا تقليديا واحدا في اليوم.
وتقول لوليتا شهاب مديرة المطعم "الزوار يشعرون بأنهم في منزلهم حيث يأكلون المقلوبة ثم يأخذون أطباقهم إلى المطبخ ويعودون للاستمتاع بروح المكان".
![fbf5e728-d804-4568-b13a-86abe8f88e2f.jpg](https://dx6nmerofdgzj.cloudfront.net/prod/fbf5e728_d804_4568_b13a_86abe8f88e2f_dcaf24caff.jpg)
مطبخ إعداد الطعام في أحد المباني القديمة في جبل اللويبدة بالعاصمة الأردنية عمان والتي تم تحويلها إلى مطعم. السبت (7 يناير كانون الثاني 2023)
وتفضل ساندرا تيرلاو، وهي سائحة ألمانية، تلك البيوت على الأماكن الحديثة، وتقول إنها تشعر بروح المكان الأصلي وذكريات من سكنوه "لأن القائمين عليه احتفظوا بالأدوات والزخارف الداخلية القديمة التي كانت موجودة فيه"، مضيفة أنها فرصة لمعرفة ثقافة الناس وعاداتهم القديمة ونمط عيشهم.
وقال المتحدث الإعلامي باسم هيئة تنشيط السياحة أنس العدوان لوكالة أنباء العالم العربي إن الهيئة تروج لكافة الأنماط السياحية في الأردن، بما في ذلك البيوت القديمة التي من الممكن أن تستغل في التسويق السياحي لطابعها المميز الذي يحمل لمحة تاريخية.
وأضاف "تلك البيوت والمباني الأثرية الواقعة في العاصمة عمان تعتبر ناحية تسويقية للمدينة لأنها تحمل جماليات عدة نظرا لطبيعتها المميزة التي تستقطب المهتمين".
### طعام تقليدي
تقول فرح نوفل مديرة أحد المطاعم التي أقيمت في واحد من البيوت القديمة في جبل اللويبدة والذي يعود تاريخ تشييده إلى العام 1923 "نحاول أرشفة تاريخ الأردن على عدة مستويات، فمن جانب نحافظ على المنزل كما كان في العشرينيات، ومن جانب آخر نحضر طعاما تقليديا عبر 65 طبقا تراثيا أردنيا".
وتتنوع الأطباق بين المنسف والرشوف والمقلوبة، وهي أكلات لم تعد مألوفة كثيرا في الوقت الحالي، على حد قول فرح. وتضيف "نحاول إعادة إحياء الطعام التقليدي من خلال التعاون مع 42 سيدة من المجتمع المحلي من مختلف محافظات الأردن لتحضير المواد الأساسية التي تدخل في إعداد هذه الأطباق".
![7921373f-98f5-4451-be7b-ea82ad7870be.jpg](https://dx6nmerofdgzj.cloudfront.net/prod/7921373f_98f5_4451_be7b_ea82ad7870be_75d089b2fe.jpg)
عدد من المارة أمام الواجهة الخارجية لمبنى ديوان الدوق في العاصمة الأردنية عمان. السبت (7 يناير كانون الثاني 2023) - المصدر: AWP
وكان هذا البيت مقرا للبعثات الدبلوماسية منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى مطلع القرن الماضي، بحسب المؤرخ ومدير مؤسسة إرث الأردن فراس خليفات.
وقال خليفات عن فكرة تحويل البيوت القديمة إلى مزارات سياحية إنها تعزز من الحفاظ على الإرث العمراني ليعكس هوية البلد للسياح والأجانب، مضيفا "هجرة البيوت القديمة وإغلاقها قد يتسبب في تآكل الكتلة العمرانية للمبنى بمرور الزمن بسبب عدم الاستخدام وعوامل الرطوبة التي تؤثر على البناء".
وتابع "أعمال ترميم البيوت القديمة ضرورية دون المساس بطابعها الأصيل، حيث توجد (منشآت) في عمان تعود إلى القرن الثامن عشر بعضها ما زال موجودا إلى الآن".
![43477d4d-71dd-48fd-9c14-3a78e749b57e.jpg](https://dx6nmerofdgzj.cloudfront.net/prod/43477d4d_71dd_48fd_9c14_3a78e749b57e_0508758b6e.jpg)
بوابة مبنى ديوان الدوق القديم في العاصمة الأردنية عمان. السبت (7 يناير كانون الثاني 2023) - المصدر: AWP
### ديوان الدوق
في قلب شارع الملك فيصل في وسط عمان، يوجد المبنى السابق للبريد الأردني والمعروف حاليا بديوان الدوق، وهو أحد المعالم المعمارية في وسط المدينة، والذي يعود تاريخ تشييده إلى العام 1924.
واستأجر البريد المركزي لحكومة إمارة شرق الأردن المبنى حتى نهاية أربعينيات القرن الماضي، ثم تحول إلى فندق حيفا حتى مطلع التسعينيات ثم أصبح مهجورا إلى أن قرر ممدوح بشارات تحويله إلى ديوان الدوق الذي يفتح أبوابه للزوار والسياح طيلة الأسبوع.
ترك بشارات المبنى كما هو بجدرانه وأبوابه العتيقة، أما الأثاث فيحاكي حقبة العشرينيات والثلاثينيات التي تميزت بها بيوت عمان القديمة في ذلك الوقت. وديوان الدوق بمثابة متحف مفتوح يستقطب العديد من السياح والمواطنين، وتقام فيه أمسيات شعرية وثقافية.
ويستطيع الزوار التجول بحرية داخل غرف ديوان الدوق المميزة بأثاثها القديم وأرضياتها الملونة، ومشاهدة النوافذ المقوسة التي ميزت بيوت عمان القديمة في بداية القرن الماضي، والوقوف في شرفته طمعا في لحظة صفاء.
ويقول بشارات "لم ألمس شيئا فيه لإيماني بأن الروح تسكن المكان وأي تغيير فيه قد يتسبب في رحيلها".
ويعتقد كيري كريس، وهو سائح أميركي، أن الأماكن القديمة هي أفضل ما في عمان التي زارها عدة مرات لرؤية آثارها ومعالمها للتعرف على تاريخها.
_(نشرت هذه المادة للمرة الأولى بتاريخ 9 يناير كانون الثاني 2023)_